استطاعت دولة الإمارات العربية المتحدة أن تتحول إلى وجهة عالمية جاذبة للاستثمارات، بفضل سلسلة الإجراءات التي اتخذتها في الأعوام القليلة الماضية، سواء تلك الخاصة بتطوير البيئة القانونية والتشريعية الضامنة للاستثمارات الأجنبية أو الاستثمار في تطوير البنية التحتية، أو بتطوير السياسات المالية التي تستهدف تعزيز الكفاءة الاقتصادية وتحفيز الإنتاج المحلي، وتطوير القدرة التنافسية، وذلك لضمان استمرارية واستدامة المكانة المتقدمة للدولة على خريطة الاستثمار العالمي. في الوقت ذاته فإن الأمن والاستقرار الشامل الذي تنعم به الإمارات يعزز الثقة بمناخ العمل والاستثمار في الدولة، ومن ثم يشجع على جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية بما يصب في صالح الاقتصاد الوطني ويخدم أهداف الخطط التنموية، كما أن موقع الإمارات الاستراتيجي، كمركز تجاري عالمي يربط الغرب بالشرق، ويتيح الوصول إلى الأسواق الإقليمية والعالمية كافة، جعل منها وجهة مثالية للاستثمارات الأجنبية، كما ساعد الدولة في الوقت ذاته على إقامة شراكات اقتصادية مع العديد من دول العالم، أسهمت في جذب المزيد من الاستثمارات الخارجية إلى الدولة. كما كان للدبلوماسية الإماراتية الناجحة، من خلال انفتاحها على القوى الاقتصادية الفاعلة والمؤثرة، في أوروبا وآسيا وأميركا اللاتينية، دور فاعل في الترويج للفرص الاستثمارية المتنوعة داخل الدولة، واجتذاب العديد من الشركات العالمية الكبرى للعمل داخل الدولة.
لقد حققت الإمارات مراتب متقدمة في العديد من المؤشرات والتقارير الدولية المعنية بقياس مؤشر الاستثمار الأجنبي، فقد جاءت في المرتبة 27 عالمياً من حيث قدرتها على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، وفق التصنيف المتبع لدى مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «الأونكتاد»، في نتائج تقرير الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي الصادر لعام 2019، لتقفز ثلاث مراتب في العام 2018 مقارنة بترتيبها في 2017، ووفقاً لهذا التقرير الذي نشرت نتائجه مؤخراً، فقد جذبت الإمارات استثمارات أجنبية مباشرة في عام 2018 تصل قيمتها إلى 10.4 مليار دولار أميركي، لتتصدر المرتبة الأولى عربياً، مستحوذة على 36% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتدفقة إلى مجموعة الدول العربية، وفي المرتبة الثانية على مستوى منطقة غرب آسيا، مستحوذة على نحو 33.4% من إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الواردة إلى هذه المنطقة.
ولا شك في أن تقدم الإمارات في هذا التصنيف، وغيره من المؤشرات الدولية، يعدّ شهادة عالمية على تميز بيئة الأعمال في الدولة، كما يعد دليلاً على كفاءة الإجراءات والسياسات المالية التي تطبقها الدولة، وكان لها أكبر الأثر في تحويل الإمارات إلى وجهة إقليمية وعالمية جاذبة للاستثمارات الأجنبية المباشرة. إن نجاح الإمارات في اجتذاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة ينطوي على مردودات بالغة الأهمية، فإضافة إلى أن هذه الاستثمارات التي تمثل أحد محركات النمو الاقتصادي، فإن توجيهها إلى العديد من القطاعات الحيوية، كالطاقة المتجددة والصناعات المتقدمة مثل صناعة الطيران وخدمات النقل الجوي والمواصلات وقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وقطاع البنى التحتية، من شأنه أن يعزز تنافسية الاقتصاد الوطني، ويخدم سياسة تنويع الدخل التي تتبناها الدولة من أجل الانتقال إلى مرحلة ما بعد عصر النفط التي تعتمد بالأساس على اقتصاد المعرفة.
تشير كل التوقعات إلى أن دولة الإمارات قادرة على جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال الفترة المقبلة، ليس لأنها لا تتوقف عن تطوير البيئة الداخلية الداعمة لمناخ الأعمال فقط، وتشجع القطاع الخاص على إقامة المشروعات والأعمال، وإنما لأنها تستثمر في بناء الشراكات مع القوى الاقتصادية الكبرى والصاعدة في العالم أيضاً، وتحرص على الاستفادة بصورة كبيرة من الخبرات الاقتصادية لهذه القوى في دعم اقتصادها الوطني، وخاصة فيما يتعلق بنقل وتوطين التكنولوجيا المتطورة، والاستثمار في القطاعات التي تعتمد على المعرفة وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، بما يواكب أهداف «مئوية 2071»، التي تستهدف جعل الإمارات منصة لريادة الأعمال ومركزاً اقتصادياً عالمياً، وبما يضمن استدامة التنمية الشاملة والازدهار للأجيال القادمة.
عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية