خلال السنوات والعقود الماضية، تزايدت الصورة النمطية السلبية عن التدخين، نتيجة تزايد إدراك العامة بما يحمله في طياته من تبعات صحية خطيرة، تتمثل في كتالوج من الأمراض والعلل المتنوعة، القاتلة في غالبية الأحيان. وترافق هذا التزايد في الإدراك، بإصدار عدة قوانين وتشريعات، منعت التدخين في الأماكن العامة المغلقة، مثل المباني الحكومية، والمستشفيات، وهي السياسة التي طبقها أيضاً القطاع الخاص في المطاعم ودور السينما والمكاتب، وفي وسائل المواصلات بجميع أنواعها. أضف إلى ذلك القوانين والتشريعات المانعة للإعلان عن منتجات التبغ في جميع وسائل الإعلام دون استثناء، وفرض بيعها داخل علب لا تحمل ألوانا أو صور، بل كثيرا ما تحمل صور للأمراض والعلل التي يتسبب فيها التدخين، وحتى منع عرضها بشكل واضح في واجهات محال البقالة والسوبر ماركت.
هذا المصير الذي آلت إليه منتجات التبغ في غضون بضعة عقود، يرى البعض أنه يجب أن يكون نفس المصير الأغذية مرتفعة المحتوى من السكريات، أو على الأقل هذا ما خلص إليه تقرير صدر مؤخراً عن معهد أبحاث السياسات العامة في بريطانيا (Institute for Public Policy Research). وبخلاف ما وصى به القائمون على هذا التقرير من منع الإعلانات عن ما يعرف بالأطعمة القمامة أو الزبالة، في جميع وسائل الإعلام دون استثناء، وخصوصا تلك المرتفعة المحتوى من السكريات، وإصدار القوانين والتشريعات التي تفرض بيع مثل هذه الأطعمة في المحلات والمتاجر دون صور أو ألوان، اقترح أيضاً باحثو المعهد زيادة فرض الضرائب على السكريات بجميع أنواعها وأشكالها.
هذه الضريبة والتي تعرف بضريبة السكر (Sugar Tax)، على غرار ضريبة التبغ (Tobacco Tax)، بدأ العمل بها في بريطانيا منذ السادس من أبريل عام 2018، ويقدر أنها تدر عائداً سنوياً على الخزانة، يبلغ أكثر من مليار جنيه استرليني (4.6 مليار درهم)، ويستخدم هذا العائد لدعم البرامج والأنشطة الرياضية في المدارس. ورغم ما تعرضت له هذا الضريبة من انتقادات، وخصوصا أنها تتجاهل السبب الآخر والمهم لزيادة الوزن والسمنة، أي الأطعمة المرتفعة المحتوى من الدهون، إلا أن آخرين يرون أنها ليست كافية بسبب اقتصارها على المشروبات الغازية والمشروبات المحلاة، حيث يرى هؤلاء أنها يجب أن تمتد أيضا إلى العصائر الطبيعية، والتي تحتوي أيضاً على مستويات مرتفعة من السكريات (الطبيعية)، والتي لا فرق يذكر بينها وبين السكريات المضافة للمشروبات، على صعيد العمليات الأيضية الحيوية داخل الجسم أو «الميتابوليزم».
وحسب نتائج دراسة نُشرت بداية شهر مايو الماضي في إحدى الدوريات الطبية المرموقة، هي "JAMA Network Open"، يؤدي (الإفراط) في تناول المشروبات السكرية، بما في ذلك العصائر الطبيعية مئة في المئة، إلى زيادة احتمالات الوفاة المبكرة بنسبة تتراوح بين 9 إلى 42 في المئة. ويفسر العلماء هذا الاستنتاج، على أنه نتيجة كون السكريات الموجودة في عصائر الفواكه الطبيعية أو «الفركتوز»، كعصير البرتقال مثلا، تتشابه وتتماثل لحد كبير مع السكريات التي تضاف إلى المياه الغازية وباقي المشروبات المحلاة. كما يحتمل أن سكر الفواكه يحفز إفراز الهرمونات التي تساعد على تجمع الشحوم والدهون حول منطقة الخصر (الكرش)، وهي الدهون المعروف عنها ارتباطها الوثيق بزيادة احتمالات الإصابة بأمراض القلب والشرايين. كما ترجح بعض الدراسات أن المشروبات السكرية - غازية كانت أم طبيعية - تحفز خلايا الجسم على مقاومة تأثير الأنسولين، وهي أيضا الحالة المعروف عنها ارتباطها بزيادة احتمالات الإصابة بأمراض القلب والشرايين.
وحتى أطعمة الأطفال التي تمنح لهم خلال الشهور والسنوات الأولى من العمر، أصبحت محل اهتمام الساعين لخفض معدلات زيادة الوزن والسمنة في الأطفال، وباقي أفراد المجتمع. فعلى حسب تقرير صدر نهاية الشهر الماضي عن «الكلية الملكية لطب وصحة الأطفال»، من الضروري الانتباه لمحتوى السكريات والدهون في أطعمة الأطفال (Baby Food)، حتى ولو كانت المكونات طبيعية كالفاكهة ومنتجات الألبان، أو حتى العسل. ويوصي هذا التقرير أيضاً، بضرورة احتواء طعام الأطفال خلال الشهور والسنوات الأولى على كميات كافية من الخضراوات، ليس فقط لتجنب الزيادة في أوزانهم والإصابة بالسمنة، بل أيضاً لمنع تسوس أسنانهم وفقدانها مبكراً، حتى لو كانت أسناناً لبنية، وتجنب تنشئة أجيال المستقبل منذ نعومة أظافرهم على أطعمة غير صحية وعلى عادات غذائية سيئة.
*كاتب متخصص في الشؤون العلمية والطبية