يفتقد صناع الخبر في وسائل الإعلام الراهنة إلى أساليب للاقتراب من الحقيقة، وبدلاً من ذلك يخضعون لالتزامات بتوفير مادة إخبارية، مهما كان مصدرها، ومهما كانت مجافية للواقع ومبنية على افتراضات واهية. وهناك العديد من المواقف التي يتحول فيها الإعلام إلى أداة لترويج الأمنيات والأوهام، بدلاً من سرد وتوضيح حقائق مبنية على معطيات واقعية.
وخلال الأيام الماضية، وبمجرد حديث دولة الإمارات عن إعادة التموضع والانتشار وتعديل الاستراتيجية العسكرية الخاصة بقواتها في اليمن، اتخذت التغطيات الإعلامية لهذا الحدث اتجاهات اقتربت بعضها من الفانتازيا وأفلام الخيال العلمي. فصنعوا من الحبة قبة، ونسجوا من تصريح مقتضب سيناريوهات عجيبة في مضمونها، بل ومتناقضة مع ما قدمته دولة الإمارات من جهود وتضحيات في ملف اليمن.
بينما تخبرنا المقدمات والجهود الجبارة التي بذلتها الإمارات في اليمن، أنها لن تتخلى عن الشرعية اليمنية وعن التحالف المتين الذي تقوده باقتدار المملكة العربية السعودية. فما حققته الإمارات في اليمن لم يكن سهلاً على الصعيد العسكري والإنساني والإغاثي والاجتماعي، وبالتالي لن تبخل الإمارات بالمزيد من الجهد للحفاظ على ما تحقق من إنجاز. مما يجعل التخرصات والأكاذيب التي تشكك بدور الإمارات عديمة الجدوى وفاقدة للمصداقية.
بالنسبة للمتابع الحصيف، الذي يحرص على تقصي الحقائق وعدم تصديق الأنباء التي تعمل على تعويم المواقف، من الواضح أنه لن يتقبل ذلك النوع من التغطيات الإخبارية المهووسة بالترويج لأخبار تندرج ضمن أمنيات ورغبات أطراف معينة. فالإعلام القطري، على سبيل المثال، تحول منذ فترة طويلة إلى إعلام مشعوذ دجال، يعتمد على تقنية محللين عجائز، كل ما يقولونه بعيد جداً عن التحليل السياسي وأقرب إلى قراءة الفنجان. وعندما يتناول إعلام الدوحة الأخبار المتصلة بإعادة صياغة الإمارات لاستراتيجيتها في اليمن، يقوم بجلب المشعوذين لتحضير الأرواح عبر الشاشة وسرد تحليلات وتنبؤات مضحكة وغير عملية. ونجدهم يرسمون لوحات تشكيلية مسرحية على هوى الحاقدين على دور الإمارات البارز في اليمن.
يتناسى المحللون الأذكياء في إعلام قطر وتركيا، أن الفرق كبير جداً بين الانسحاب وبين إعادة التموضع وتبديل القوات وإعادة الانتشار. وسبق أن قامت الإمارات بخطوة مماثلة أكثر من مرة، لكننا وجدنا الآن إعلاميين من جنسيات عربية وخليجية يتحدثون نيابة عن الإمارات ومن دون تفويض. ولا يوجد أي تصريح رسمي يؤكد بشكل قاطع ما يروجون له.
من ضمن ما يتم الترويج له باستمرار، ويندرج ضمن أمنياتهم المستحيلة، تخرصات تسيء للعلاقات القوية بين دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية، وتسعى بخبث متعمد إلى ضرب العلاقات الثنائية بين البلدين، لكن الرد يأتي دائماً من خلال المزيد من التنسيق بين قيادتي البلدين، سواء بشأن ملف إدارة عمليات التحالف العربي في اليمن، أو بشأن العلاقات الاقتصادية والتعاون الواسع مع المملكة على أكثر من صعيد. وهذه مسألة محسومة وورقة لا يستطيع أن يقترب منها المغرضون، وكلما حاولوا جلبوا لأنفسهم السخرية والفشل في المساس بالعلاقات الإماراتية السعودية التي ترتبط بمكانة البلدين إقليمياً وعالمياً.
يتأكد الدور المحوري الكبير لدولة الإمارات العربية المتحدة، عندما نرصد اهتمام الآخرين بكل صغيرة وكبيرة تتعلق بالتوجهات الاستراتيجية الإماراتية. ومع كل خطوة تقوم بها الإمارات تجاه أي مسألة، نجد وسائل الإعلام على كافة المستويات الإقليمية والدولية تنشغل بالتحليل والتأويل، بل وتنتقل سريعاً إلى مرحلة التخمين ونسج القصص الخيالية وابتكار أقوال وتصريحات وتأليف سيناريوهات غريبة وغير منطقية، وذلك يدفعنا إلى الاستغراب والاندهاش. كما أن اهتمام الجميع بتحركات الإمارات ومواقفها، إن دل على شيء، فإنما يدل على الدور الحيوي للدولة في المنطقة والعالم. بدليل أن الإعلام الدولي يشترك في نسج التأويلات والتفسيرات التي تُعنى بمواكبة ما يتعلق بالإمارات وسياساتها الخارجية.
وخلال الأسبوع الماضي، أبرزت وسائل الإعلام تحليلات، بعضها غير مطابقة للواقع وتتنافى مع ثوابت راسخة في السياسة الإماراتية على المستوى الإقليمي، ومن ضمنها دورها المركزي والأساسي تجاه ملف اليمن، باعتبار أن الإمارات تبقى، وسوف تظل، الحليف الوفي والمساند للسعودية تجاه كل الأخطار التي تواجه الأمن القومي للخليج والجزيرة العربية. فالإمارات لا تتخلى عن حلفائها. وهناك فرق بين أمنيات المغرضين وأحلامهم باستهداف العلاقات بين الدول الكبرى في الخليج، وبين الواقع الراسخ الذي يزيد من متانة التحالف والشراكة في مواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية.
*كاتب إماراتي