بعد أن تزايدت المطالبات بين أفراد المجتمع الطبي، وتعالت الأصوات في وسائل الإعلام، وتتابعت المقالات في الصحف العالمية، أعلنت منظمة الصحة العالمية منتصف الأسبوع الماضي، أن الوباء المنتشر حالياً من فيروس «الإيبولا» في جمهورية الكونغو الديمقراطية، أصبح طارئ صحة عامة، يثير القلق على المستوى الدولي. وجاء هذا الإعلان غداة اجتماع اللجنة الدولية للتدابير والإجراءات الصحية الطارئة، والتي أصدرت توصيتها تلك بناءً على التطورات الأخيرة في الوباء الحالي، وبالتحديد تشخيص أول حالة إصابة في مدينة «جوما» البالغ تعداد سكانها قرابة مليوني نسمة، والواقعة على حدود «رواندا»، وتعتبر البوابة الرئيسية للعديد من مناطق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وباقي دول وقارات العالم.
والمتوقع مع هذا الإعلان أن تصدر المنظمة الدولية توصيات محددة، وهو ما من شأنه أن يحدث فارقاً في حالة الكونغو بدايةً، وأن تتخذ خطوات واضحة على صعيد تحسين إجراءات السلامة للعاملين في مجال الصحة في المنطقة، وزيادة المشاركة المجتمعية وتمديد الرعاية الصحية لما بعد معالجة الإيبولا. كما أن إعلان حالة الطوارئ سيعزز تدابير التأهب في الدول المجاورة، لاسيما جنوب السودان، حيث توجد بالفعل أمراض تتشابه أعراضها وعلاماتها مع الإيبولا، مثل الملاريا والتهاب الكبد الوبائي.. ولذا فمن الممكن أن ينتشر مرض الإيبولا هناك، قبل أن ينتبه لذلك أفراد المجتمع الطبي بسبب تشابه الأعراض والعلامات.
ويعتبر اجتماع اللجنة الدولية الأخير، الاجتماع الرابع من نوعه في هذا الشأن، منذ ظهور الوباء الحالي في الأول من شهر أغسطس من العام الماضي. وانطلاقاً من توصيات اللجنة، أعلن الدكتور «تيدروس جيبريسوس»، مدير منظمة الصحة العالمية، حالةَ الطوارئ، مصرحاً بأن الوقت قد حان لكي ينتبه العالم، ولكي يضاعف جهوده لاحتواء الوباء.. مضيفاً أنه يجب أن تتضافر الجهود وأن نتضامن مع الكونغو الديمقراطي، لنبني نظامَ رعاية واستجابة صحية أفضل مما هو متوفر حتى الآن.
ومعلوم أن تحسين ورفع كفاءة الرعاية الصحية، لتشمل تشخيص وعلاج الملاريا، وأمراض الإسهال، وصحة الأم.. سيؤدي إلى بناء الثقة ومشاركة المجتمع في وقف فيروس الإيبولا. إن تعزيز الثقة هذا، سيحسن فعالية الاستجابة لعلاج الإيبولا، ويجعل أفراد الطاقم الطبي وباقي العاملين الصحيين في خطوط المواجهة، أكثر أمناً.
والإيبولا هو مرض معدٍ، يعرف علمياً باسم مرض الحمى النزفية الفيروسية، حيث يعتبر النزيف الداخلي والخارجي من أهم علاماته وأعراضه، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من الأعراض الشبيهة بأعراض الإنفلونزا، مثل الحمى، والرعشة، والإرهاق العام، وآلام المفاصل والعضلات. وغالباً ما يتصاحب المرض مع إسهال شديد، وأعراض تدل على إصابة الجهاز التنفسي، مثل الكحة، والتهاب الحلق، وصعوبة التنفس، أو على إصابة الجهاز العصبي المركزي، مثل الارتباك، والتهيج، ونوبات التشنج، والغيبوبة أحياناً. وينتقل الفيروس غالباً عن طريق الدم، من خلال استخدام الحقن الملوثة مثلاً، وعن طريق سوائل الجسم بين الأشخاص المتقاربين، وربما أيضاً من خلال طرق أخرى غير معروفة أو مفهومة بالكامل حتى الآن. وينتشر الفيروس بشكل رئيسي في دول وسط القارة الأفريقية، من الشرق إلى الغرب، وتصنف أنواعه على حسب دولة المنشأ، إلى النوع «الإيفواري»، والنوع السوداني، والنوع الزائيري الذي يعتبر أخطرها على الإطلاق، بنسبة وفيات تتخطى تسعين في المئة من المصابين، وهو أيضاً النوع المسؤول عن أول وباء معروف للفيروس ظهر عام 1976 في زائير (الكونغو الديمقراطية حالياً).
ومما يثير القلق لدى الكثيرين حالياً، هو احتمال أن ينحى الوباء الذي يجتاح حالياً دولة واحدة في وسط أفريقيا، وتمكن حتى الآن من قتل المئات من سكانها، منحى وباء الإيبولا عام 2014، والذي انتشر حينها بين عدد من الدول، وخرج في بعض الحالات عن نطاق القارة الأفريقية بأسرها، وتمكن من قتل الآلاف في غضون فترة قصيرة. وربما حتى أن يتحول الوباء الحالي بمرور الوقت، إلى جائحة عالمية، تشمل عدداً كبيراً من الدول عبر قارات مختلفة، تنتج عنها وفاة عشرات الملايين من البشر، مما يجعل الوباء الذي تواجهه الكونغو الديمقراطية حالياً قنبلةً صحية عالمية موقوتة بكل المقاييس.
ولذا أعربت اللجنة الدولية في اجتماعها الأخير عن أسفها وشعورها بالإحباط، جراء التأخر والتقاعس الدوليين في تمويل الجهود الرامية لمكافحة الوباء الحالي. كما أكدت اللجنة على ضرورة الحفاظ على استمرارية طرق التجارة والنقل والمواصلات الحالية، وعلى إبقاء الحدود الدولية مفتوحة، لتجنب وقوع المجتمعات المتأثرة بالمرض حالياً تحت طائلة تبعات اقتصادية سلبية قد توصف بالعقابية، تؤثر على مصادر رزق الناس هناك ومعيشتهم، وهو ما من شأنه في حد ذاته أن يعيق الجهود الصحية الرامية لاحتواء الوباء الحالي.
*كاتب متخصص في القضايا الصحية والعلمية