تزوير الشهادات والسرقات العلمية لحاملي الشهادات العليا ليس فقط تهديداً للتعليم بل لمسيرة التنمية خاصة وأنه لا توجد إحصائيات دقيقة، لكن عدد الحالات التي تم كشفها لا يعد بسيطاً. فكيف يمكن لدول الخليج أن تنتقل من المرحلة المفصلية من «عصر النفط» إلى «عصر ما بعد النفط» بكل ما يتطلبه ذلك من استحقاقات وما يفرضه من تحديات إذا كانت هذه مخرجات التعليم، والمصيبة أعظم لو احتل أصحاب هذه الشهادات والسرقات وظائف مهمة.
بالتأكيد أن عملاً كهذا يعتبر جريمة يتوجب على مرتكبها أن ينال أشد عقوبة، لكن إلى الآن لا يوجد قانون عقوبات جنائي متكامل مختص بتزوير الشهادات والسرقات العلمية في دول الخليج، فكما ذكر سعادة الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجيَّة، في تغريدة له على «تويتر»، «على دول مجلس التعاون الخليجي العمل على قانون مشترك للتعامل مع تزوير الشهادات العلمية والسرقة العلمية». فهناك عقوبة طي قيد لأعضاء هيئة التدريس في حال ارتكابهم سرقات علمية أو تزوير شهاداتهم. آخرون اقترحوا أن تكون العقوبة بالتشهير بالإضافة إلى السجن لمدة طويلة وغرامة مالية كبيرة. لكن لا بد من نظام عقوبات محدد لهذه الجريمة وهذا ما ننتظره من محاكم الجنايات في دول الخليج.
هناك أيضاً ضحايا مكاتب الخدمات التعليمية التي تورط الطلاب بشهادات وهمية، ومن هنا يتوجب غلق تلك المكاتب المشبوهة التي تجني ملايين الدولارات من الطلاب ويجب توعية المجتمع بها. فمجلس اعتماد التعليم العالي الأميركي لا يوضح فقط الجامعات المعتمدة في كل ولاية، بل أيضاً الاعتماد المؤسسي لكل جامعة معتمدة من خلال موقعه. لذلك على دول الخليج أن تقوم بالشيء نفسه، بإنشاء مواقع توضح فيها الجامعات المعتمدة داخل وخارج البلاد والتحذير من أن الشهادات من جامعات غير معتمدة لن تصدق وتعادل.
من المؤكد أن السرقات العلمية وتزوير الشهادات جريمة قانونية لكن سببها ليس فقط غياب الوازع الأخلاقي أو الوقوع في فخ التضليل بل أيضاً اجتماعي. فبالرغم من التشجيع على التعليم المهني والفني والتقني إلا أنه ما زالت النظرة السلبية لذلك النوع من التعليم مستمرة لدى قطاعات كبيرة في المجتمع على أنه أقل اجتماعياً من أولئك المنتسبين إلى التعليم الأكاديمي. لذلك يجب تنبيه المجتمع بحلول عام 2020 أن الطلب على العمالة الماهرة في إمارة أبوظبي وحدها سيصل إلى نحو 40 ألفاً، في حين أن النظام التعليمي الحالي لا يوفر إلا 3 آلاف فقط. ومن هنا يتضح أن الطلب على التعليم المهني التقني أو التعليم الهجين، وهو مسار يربط بين الشهادة الأكاديمية والاحترافية، هو المطلوب.
ولكي يتم معرفة ميول الطالب سواء كانت أكاديمية بحثية أم تقنية مهنية لا بد من إجراء اختبارات في المراحل الدراسية التي تبدأ من المرحلة المتوسطة إلى الثانوية العامة كما يجري في بعض المدارس في أميركا، التي توضح فيها قدرات الطالب وكفاءاته العلمية وسمات شخصيته والتي تمكنه ليس فقط من اختيار التخصص الصحيح بعيداً عن الضغط العائلي، بل تعده بمواد مكثفة للاستعداد الجامعي. هذه الإجراءات بإمكانها أن تحمي الطالب من اختيار تخصص بعيد عن قدراته، والتي قد تدفعه للغش والتزوير أو الفشل، وهي أفضل من اختبار قدرات تعجيزي واحد لمدة ساعتين بعد الثانوية العامة يحدد فيه مصير الطالب.
ظاهرة الشهادات المزورة والسرقات العلمية جريمة يجب معاقبتها بحزم، لكن الأهم هو ألا يكون هدف التعليم مجرد الحصول على الشهادة وعلى مركز اجتماعي ووظيفي مرموق بغض النظر عن القدرات واحتياجات سوق العمل.
*باحثة سعودية في الإعلام السياسي