أعلن الجنرال جوزيف دنفورد، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، في العاشر من يوليو الجاري، أن الولايات المتحدة تريد تشكيل تحالف عسكري، لحماية الملاحة البحرية في مضيقي هرمز وباب المندب، بعد الهجمات التي تعرضت لها ناقلات نفطية، جرى تحميل إيران المسؤولية عنها.
إيران تعمد إلى خرق بعض بنود الاتفاق النووي، ليكون مدخلا للتفاوض عليه! بينما لا تستطيع الخروج منه، ولا إبقاءه كوة مفتوحةً لعلها تختلس النظر منها! إيران تراهن على ورقة مضيق هرمز، وهي تطلق تهديداتها بشأنه منذ حرب الناقلات عام 1987. لكن تكرار التهديدات على لسان القادة الإيرانيين بإغلاق مضيق هرمز، قد قلل شيئاً فشياً من قيمتها، على الأقل بالنسبة لدولة الإمارات التي بدأت تنقل نفوطها عبر خطوط لتضخها في خزانات نفطية عملاقة في إمارة الفجيرة على بحر عُمان، بعيداً عن مضيق هرمز، في خطوة استراتيجية لوجستية ذكية للغاية.
وتلعب إيران بورقة مضيق هرمز لاعتقادها أنه مضيق إيراني وأن لها ولاية عليه، بينما المجتمع الدولي والدول الخليجية وقانون البحار الدولي.. كل ذلك يؤكد أنه ممر دولي، ومن ثم يجب أن تكون الملاحة فيه حرة وآمنة ولا يحق لإيران إغلاقه أو عرقلة السير فيه.
ما ارتكبه نظام إيران بتهديد سلامة سفن تجارية تستخدم المضيق، يعكس مراهنَتَها على ورقة هرمز بهدف الضغط على دول الخليج وأميركا وليّ ذراع المجتمع الدولي، برسالة مفادها: أن النفط العالمي في خطر، طالما أن العقوبات الأميركية مفروضة على إيران. لكنه رهان جاء بنتيجة عكسية وفي غير صالح إيران، لاسيما وقد دفع أميركا لتشكيل تحالف دولي لتأمين حرية الملاحة، وسرّع بدخول بريطانيا بسفنها الحربية، وبدعوتها لتشكيل قوة أوروبية. فإيران تخشى بريطانيا أكثر لما تملكه من يد مع أميركا، ومن سابقة في العراق، مع إن بوريس جونسون يتحاشى تكرار ما فعله سلفه الأسبق توني بلير في العراق.
التحالف الذي سيشكله الرئيس دونالد ترامب لم تحسب له إيران حسابه. وإذا ما نجحت واشنطن في تشكيله فسيكون تطوراً بارزاً في سياق المواجهة مع إيران، وسيحرمها من تنفيذ تهديداتها وسيعرّضها لمواجهة مع المجتمع الدولي.
وعلى صعيد آخر، فقد خلص وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي إلى استحالة الالتفاف على العقوبات الأميركية، بخطة النفط مقابل المواد.
وسيذهب الرئيس ترامب إلى أقصى حد في العقوبات، لتأتي إيران مذعنةً لشروطه، وعلى رأسها التخلي عن البرنامج النووي، وبرنامج الصواريخ البالستية، ووقف تحركاتها المزعزعة لأمن المنطقة، وسحب أذرعها الإرهابية. العقوبات بدأت تؤثر بقوة في اقتصاد إيران، بتقليص صادراتها من النفط وخنق التحويلات المالية وشراء الدولار. وعلى إثر ذلك جاء التراجع الإيراني متوارياً باستحياء في تصريح جواد ظريف وزير الخارجية، حيث قال: «إن برنامج بلاده للصواريخ البالستية قد يطرح على طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة، إذا توقفت واشنطن عن بيع الأسلحة إلى حلفائها الخليجيين في الشرق الأوسط». والعبارة الأخيرة لستر عورة التراجع، فيما صفق المتوهمون الموالون لإيران باعتبار ذلك «انتصاراً إيرانياً وتراجعاً أميركياً!»، لكنهم لا يعلمون أنه بمجرد جلوس إيران على طاولة المفاوضات، فإن ذلك هو التسليم بعينه للرئيس ترامب ومطالبه.
ترامب ليس على عجلة من أمره، وحربه الصامتة (العقوبات) تفعل مفاعيلها، وهو يتماهى مع ما قاله المفكر الاستراتيجي الصيني «صون تزو» في كتابه «فن الحرب»، من أن أرقى أساليبها «أن تقهر عدوك دون قتال».

*سفير سابق