يحيا حالياً خمسة مليار شخص في دول حظرت التدخين في الأماكن والمنشآت العامة والخاصة، ووضعت صوراً منفرة ومقززة على علب السجائر، وفعّلت تدابير وإجراءات هادفة لحث أفراد شعوبها على الإقلاع عن هذه العادة السيئة، والمميتة في الكثير من الأحيان، وتجنب الوقوع في براثنها من الأساس. ورغم أن هذا العدد يزيد على أربعة أضعاف عما كان عليه قبل عقد واحد فقط من الزمن، إلا أن تقريراً صدر عن منظمة الصحة العالمية بداية الأسبوع الحالي، أظهر أن العديد من الدول لا زالت لا تطبق السياسات والتدابير التي يمكنها أن تساعد الكثيرين على الإقلاع، وأن تنقذ حياتهم.
هذا التقرير، والذي يبحث في الوباء العالمي لاستخدام منتجات التبغ، قام بتحليل الجهود الوطنية في غالبية دول العالم، لتحديد أكثر الإجراءات والسياسات فعالية في الحد من استخدام منتجات التبغ بين الشعوب والمجتمعات. وعلى وجه الخصوص الاستراتيجيات الست التي تضمنها التقرير الأول الصادر عام 2007، والتي تضمنت: مراقبة معدلات استهلاك التبغ وسياسات الوقاية، وحماية الأفراد من التأثيرات الصحية السلبية لدخان التبغ، وتقديم المساعدة والعون لمن يرغبون في الإقلاع، والتحذير وزيادة الوعي بين العامة بمخاطر التدخين، وفرض حظر على الإعلان والترويج لمنتجات التبغ، ومنع رعاية شركات السجائر للفعاليات والأنشطة المجتمعية أو الرياضية أو الثقافية، وزيادة الضرائب على منتجات التبغ.
حيث لا يميز التبغ بين ضحاياه على أساس العمر أو الجنس أو العرق أو الخلفية الثقافية أو المستوى التعليمي، فهو خطر داهم على الجميع دون استثناء، يحمل في طياته المعاناة، والمرض، والموت، ويفقر الأفراد والمجتمعات برمتها. وتتراكم الكلفة الاقتصادية للتبغ على الاقتصاديات الوطنية، من خلال رفع تكلفة الرعاية الصحية لأفراد المجتمع، وعبر خفض الإنتاجية للأفراد بسبب المرض وتدهور صحتهم، بالإضافة إلى الفاقد في رأس المال البشري الناتج عن وفيات الضحايا، حيث يقدر أن التدخين يكلف نظم الرعاية الصحية لدول الاتحاد الأوروبي، أكثر من 25 مليار يورو، أي ما يعادل 110 مليارات درهم سنوياً، ويعزز استخدام منتجات التبغ من التفاوت في العدالة الصحية، أو الغبن الصحي، المتمثل في تعظيم الفوارق في نوعية الرعاية الصحية المتوفرة للطبقات المختلفة، داخل نفس المجتمع.
كما يتسبب إنتاج التبغ من الأساس، في وقوع ضرر اقتصادي وبيئي فادح، حيث تتطلب زراعة نبات التبغ استخدام كميات هائلة من المبيدات الحشرية، ومن الأسمدة الكيماوية، تتسبب في تلويث التربة ومصادر المياه، كما يحتاج المحصول السنوي العالمي من نبات التبغ لمساحة تزيد على 4.3 مليون هكتار، ما يؤدي إلى فقدان ما بين 2 إلى 4 في المئة من الغابات، ويتسبب في تفاقم ظاهرة التصحر وإتلاف التربة وانجرافها.
وتتسبب منتجات التبغ في أضرار لا تضاهيها فيها العديد من المنتجات الأخرى، فالتدخين يقتل نصف مستخدميه، بشكل مباشر أو غير مباشر، ويتسبب في وفاة 6 ملايين شخص سنوياً، وإذا لم تتخذ تدابير كافية لمكافحته، فسيرتفع العدد السنوي لضحايا التبغ إلى 8 ملايين بحلول عام 2030. ويعيش 80 في المئة من المدخنين - البالغ عددهم أكثر من مليار- في الدول الفقيرة، والدول متوسطة الدخل، حيث تنخفض معدلات الرعاية الصحية للأمراض الناتجة عن استخدام التبغ، ويصعب إيصال رسائل التثقيف الصحي بشكل فعال، ويتزايد عاماً بعد آخر حجم الاستهلاك العالمي من التبغ، وإن كان حجم هذا الاستهلاك يتراجع في الدول الغنية وشبه الغنية.
تقرير «أطلس التبغ» الذي تعده الجمعية الأميركية للسرطان، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، ويصدر كل عامين، كشف أن أكثر من 2900 شخص بدولة الإمارات ماتوا خلال 2016 بسبب مضاعفات الأمراض التي يسببها التدخين، بواقع 52 حالة وفاة بين الرجال أسبوعياً، أي ما يعادل 13 في المئة تقريباً من إجمالي حالات الوفاة بصورة عامة بين الرجال في الدولة، ووفاة 5 نساء أسبوعياً من جراء التدخين، بنسبة 6 في المئة من وفيات النساء بصورة عامة. وكشف التقرير أن العبء الاقتصادي على دولة الإمارات بسبب استخدام التبغ، يصل إلى أكثر من مليار درهم سنوياً، ويتضمن هذا العبء التكاليف مباشرة، الناتجة عن زيادة النفقات على الرعاية الصحية، وتكاليف غير مباشرة تتمثل في انخفاض الإنتاجية بسبب معدلات الوفاة المبكرة وانتشار الأمراض.
*كاتب متخصص في القضايا العلمية والطبي