يبدو أن سيارات الإسعاف في أميركا ستظل دائما مملوءة، لأن رجالاً مسلحين يمضون وقتاً طويلاً في قراءة التفاهات على الإنترنت لن يكفوا عن قتلنا. خلال معظم تاريخنا، كانت الحروب تتعلق بأيديولوجيات أجنبية، وكانت تحدث على تراب أجنبي، فعندما كنا نرى صور قتلى الحرب من العراق أو أفغانستان.
ولكن الآن، جاءت الحرب إلى المتاجر والمطاعم، ومطعم غير مسمى ويبدو مألوفاً يقدّم وجبات خاصة مقابل 7.99 دولار. وإذا كان هذا لا يبدو مثل حرب، فلأننا نقاوم بشكل آلي جداً فكرة حرب على التراب الأميركي، لدرجة أننا بتنا نرفض رؤية الأشياء الواضحة والبديهية.
هل يتعلق الأمر بهجمات متفرقة تحدث بين الحين والآخر؟ الواقع أن اثنتين منها، في إل باسو (ولاية تكساس) ودايتون (ولاية أوهايو)، حدثتا في أقل من 24 ساعة، هل هما عملان لا معنى لهما من أعمال الغضب الإجرامي؟ الواقع أن العديد من المذابح، التي تنفذ بوساطة أسلحة حربية، يكون دافعها أيديولوجياً، وإن كانت مفككة وغير منسجمة، أيديولوجياً لها أديباتها الخاصة بها من البيانات المترابطة، وفلسفتاها السياسية والتاريخية الخاصة، ورموزها وأيقوناتها الخاصة.
المسلح الذي أزهق أرواح 20 شخصاً على الأقل في مدينة إل باسو، كتب على ما يبدو بياناً يوضح فيه أفكاره ونواياه، ويبدو أنه قصد مركزاً تجارياً لأنه هدف سهل، وإذا كان بيانه مليئاً بكثير من الغضب من «الشركات عديمة الإحساس»، ومن النزعة الاستهلاكية الأميركية، فإنه يعكس، أولاً وقبل كل شيء، خوفاً متأثراً بنظريات عالم الاقتصاد البريطاني توماس روبرت مالتوس (1766-1834)، بشأن قدوم المهاجرين وإدماجهم في الحياة الأميركية، لقد تمظهر غضبه بين لوحات وإشارات خطر الشركات، الذي كان يتهيبه في عقر دار النزعة الاستهلاكية، وقد ندّد صراحةً باستخدام الكثير جداً من المناديل الورقية، وهناك في عربة تسوق تدفعها امرأة فارة من العنف، توجد حزمة من الحجم الكبير من المناديل الورقية ملفوفة بالبلاستيك.
هذا الالتقاء لمشهدنا التجاري والعنف هو شكل الحرب الأميركية التي تدور رحاها في القرن الحادي والعشرين بحركة بطيئة ومتواصلة في آن، حرب باتت شخوصها ومشاهدها مألوفة الآن: أشخاص يختبئون في الخزانات، ويبكون في الهواتف المحمولة، وفرق التدخل السريع في مواقف السيارات، ونوادٍ ليلية مقلوبة طاولاتها وكراسيها، وأكوام من الأحذية التي تركت خارج حانة، وقاعات سينمائية مضرجة بالدماء، إذا كنت لدينا الشجاعة للقيام بما يجب أن نقوم به وننظر إلى الحقائق، فإننا سنرى أيضاً أن الحرب الأميركية، من إحدى النواحي، تبدو مثل أي حرب أخرى في أي مكان على هذا الكوكب، مملوءة بالجثث التي تحمل آثار الرصاص، ومضرجة بالدماء ومكسورة وميتة.
غير أن بعض الحروب تضع أوزارها في يوم، أو أسبوع، وهناك أخرى تمتد وتتواصل لسنوات، وإذا كان هناك انتهازيون ومستفيدون ولاعبون متشككون مستعدين لتغذية مشهد الأذى والصخب والفوضى وتأجيجه في مقابل قليل من المزايا الشخصية أو السياسية، فإنه في تلك الحالة يمكن أن يستمر لعقود، وإذا تجذرت الحرب وترسخت في مجتمع ما بشكل بطيء، أو في غفلة منه، فإنها يمكن أن تصبح مثل الوضع العادي والطبيعي للأشياء.
*كاتب وصحفي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»