في الوقت الذي تسعى فيه دول الخليج، وتحديداً دول تحالف دعم الشرعية في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية، ومعها الأمم المتحدة والولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، إلى التهدئة وحل جميع القضايا المعلقة عن طريق المفاوضات والحلول السلمية بين الأطراف المتصارعة في اليمن (حسب القرارات الدولية المختلفة)، وإلى إبعاد شبح الحرب والتهديد بها بين الدول الغربية وإيران جراء تلويح الأخيرة بعرقلة الملاحة الدولية ومنع ناقلات النفط من المرور في مضيق هرمز.. يخرج علينا الرئيس الإيراني حسن روحاني بتصريحات جديدة يعلن فيها أن إيران ودول الخليج لا تحتاج لتواجد القوات الأجنبية لحماية أمن المنطقة، وأن التواجد الأجنبي في الخليج هو السبب الرئيس وراء التوتر في المنطقة!
وقد تناسى الرئيس الإيراني أن التواجد الأجنبي في الخليج، إنما جاء لحماية دول المنطقة من تدخلات بلاده في القضايا المحلية لهذه الدول، وأن مصدر القلاقل والاضطرابات وإحياء النزعة الطائفية المقيتة بين أبناء الوطن الواحد في بعض الدول.. كلها تعود للتدخل الإيراني وليس الغربي.
ويبقى السؤال مطروحاً: لماذا التشدد الإيراني في هذه المرحلة؟ وما الهدف من رفض الحلول السلمية رغم العقوبات الاقتصادية الأميركية الصارمة؟ وهل ثمة مبرر عقلاني ومنطقي لهذا التشدد الإيراني؟
تعتقد إيران أن التواجد الأجنبي يهدد مصالحها في كل من العراق وسوريا واليمن ولبنان. وهي في هذا الموقف تتبنى منطلقاً توسعياً قومياً متعصباً (وليس دينياً كما تزعم)، حيث أنشأت ورعت ومولت ودربت بعض الأحزاب والميليشيات، العراقية واللبنانية واليمنية والسورية.. وهي تعتقد أن قوتها الحقيقية تأتي من تمددها في هذه الدول العربية.
ما حصل مؤخراً بسبب الحصار المالي والنفطي على إيران، جعل من الصعب على طهران تمويل هذه الميليشيات أو حثها على ضرب المصالح الغربية داخل دولها، وذلك بسبب وعي الحكومة الأميركية ورصدها أي تحركات لأنصار إيران، خاصة في العراق وسوريا. والدليل على ذلك ما يحدث هذه الأيام من تفجيرات لمخازن الأسلحة الخاصة بالميليشيات الإيرانية المتواجدة في العراق متمثلة في «الحشد الشعبي» العراقي، حيث تم تدمير مخازن الأسلحة الإيرانية هناك.. لكن الضحية الرئيسة كان وما يزال الشعب العراقي الأعزل.
وما خروج الشعب العراقي في مظاهرات حاشدة ضد وزير النفط الإيراني، إلا دليل أولي قاطع بأن الشعب العراقي يرفض الوجود الإيراني على أرضه، كما يرفض الأحزاب والحركات الطائفية التي تدير السياسة العراقية وتوالي إيران فكرياً وسياسياً. وهذا يعني ببساطة أن التمدد الإيراني في العراق بدأ يواجه أزمة وجود وأنه لن يستمر طويلًا.
لقد تمادت إيران في سياساتها المتشددة، بسبب تردد الدول العظمى في فرض القرارات الدولية الخاصة بالملاحة البحرية في مضيق هرمز.
ولا شك في أن ضعف العرب وتشتتهم وعدم توحد سياساتهم.. جعل إيران تتمادى في سياساتها المتشددة. لذلك فالمطلوب من دول الخليج والدول العربية توحيد صفوفها ونبذ خلافاتها لمواجهة المخاطر الإيرانية.

*أستاذ العلوم السياسية -جامعة الكويت