قرر رئيس الوزراء الإيطالي «جوزيبي كونتي» أن يستقيل يوم الثلاثاء الماضي، بدلاً من مواجهة تصويت بحجب الثقة، كان من المرجح أن يخسره. وقرار الاستقالة أكد انهيار واحدة من أكثر التجارب السياسية الحديثة إثارة للاهتمام في أوروبا. وتمثلت التجربة في وصول تحالف شعبوي إلى السلطة قبل 14 شهراً فحسب، في غمرة صعود الإحباط المعارض للمؤسسات الحاكمة في إيطاليا. لكن الشقاق طال التحالف وأضعف قدراته منذ البداية. ويوم الثلاثاء الماضي، ألقى «كونتي» خطبة نارية في مجلس الشيوخ الإيطالي موجهاً جانباً كبيراً من حنقه إلى «ماتيو سالفيني» نائب رئيس الوزراء من أقصي اليمين، الذي أدى انسحاب دعم حزبه من الحكومة إلى الأزمة الحالية.
و«سالفيني» الذي يشغل منصب وزير داخلية أيضاً هو أكثر السياسيين شعبية في البلاد. وتصاعدت شعبية حزبه «الرابطة» اليميني المتشدد المناهض للهجرة الذي كان ذات يوماً ما حزباً إقليمياً هامشياً، وبلغت شعبيته نحو 38% في استطلاعات الرأي، ويمثل كياناً مهماً في ديمقراطية البلاد متعددة الأحزاب. وفي الوقت نفسه، أفل نجم حزب حركة «الخمس نجوم» غير المكتمل أيديولوجيا والمعارض للمؤسسات الحاكمة، وهو أكبر فصيل مفرد في البرلمان. و«كونتي» أستاذ قانون دون خبرة سياسية كان مغموراً نسبياً وجاء ليقود الحكومة باعتباره شخصية محايدة لكنه أقرب إلى حركة «الخمس نجوم». هاجم «كونتي» في كلمته التي ألقاها يوم الثلاثاء الماضي أمام مجلس الشيوخ الذي عاد أعضاؤه من عطلة لحضور جلسة طارئة، سالفيني وزير الداخلية الذي «أظهر أنه يسعى لمصالحه ومصالح حزبه». وحملت الكلمة طابعاً مسرحياً سياسيا، فمازال «سالفيني» نائباً لكونتي وكان يجلس بجوار رئيس الوزراء الذي توشك فترة ولايته على الانقضاء، والذي انتقد «سالفيني» بشدة لتعريضه البلاد إلى «منزلق عدم يقين سياسي وعدم استقرار مالي». وحين هاجم «كونتي» نائبه «سالفيني» لتعريضه الثقافة العلمانية السياسية لإيطاليا للخطر، سحب «سالفيني» مسبحته وقبلها.
والاضطرابات في روما تفاقم عدم اليقين في المفاوضات الحاسمة المقبلة بشأن ميزانية إيطاليا المثقلة بالديون، وبشأن المشكلات التي تنقلها إلى باقي أوروبا. ويرى «أندريا مونتانينو» الباحث البارز غير المقيم في مجلس الأطلسي أن «توقيت هذه الأزمة مثير للقلق. فهي تحدث في منعطف حرج لأوروبا، وسط مخاطر حدوث ركود في ألمانيا وتشكيل المفوضية الأوروبية الجديدة، وقد تساهم في تدهور الثقة في منطقة اليورو».
وما سيحدث لاحقاً معقد قليلًا. فالرئيس الإيطالي «سيرجيو ماتاريلا»، سيجتمع مع زعماء الأحزاب المختلفة ليبحث إمكانية تشكيل ائتلاف حكومي جديد. وقد يختار الاحتفاظ بـ«كونتي» أو اختيار تكنوقراطي غير حزبي ليتولى قيادة حكومة تسيير أعمال قصيرة الأجل يمكنها أن تقر ميزانية. ومن البدائل أيضاً أن تحاول حركة الخمس نجوم بناء ائتلاف جديد مع الحزب «الديمقراطي» من يمين الوسط وهو التحالف الذي لم يكن من الممكن تخيله ذات يوم، لكنه قد يناسب كلا الحزبين حالياً. وإذا فشل هذا، فقد تتم الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة بحلول نهاية أكتوبر على الأرجح.
وأشارت صحيفة «فايننشيال تايمز» إلى أن «سالفيني» ربما أساء التقدير. فقبل أسبوعين حين أعلن قراره بالانسحاب من التحالف الشعبوي «كان سالفيني واثقاً من الإسراع نحو إجراء انتخابات مبكرة والفوز بها. واتضح أن الأمور أكثر تعقيداً. والجدول الزمني ليس خاضعاً لسيطرته. وفكرة وجود تحالف بين خمس نجوم والحزب الديمقراطي من يمين الوسط، وهما الحزبان اللذان يتبادلان الكراهية، حظي بمزيد من الزخم أكبر مما كان متوقعاً مما أثار احتمال إقصاء حزب الرابطة من السلطة لسنوات».
«ماتيو رينزي» رئيس الوزراء الإيطالي السابق وعضو مجلس الشيوخ عن الحزب «الديمقراطي»، قال في تغريدة على «تويتر»: «فشل اليوم الحلم الشعبوي الإيطالي. الشعبويون لا ينجحون إلا أثناء الحملات الانتخابية ويفشلون في الحكومة. في 14 شهراً عرقلوا النمو وعزلوا إيطاليا وخلقوا مناخاً من الكراهية وخسروا». وربما يكون الأمر كذلك، لكن حتى الآن، على ما يبدو لم يفز أحد آخر.
*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»