الإقرار بعظم الأمانة، ومكانة القضايا العادلة، والاستمرار بالعهد، ومتانة اللُّحمة المغربية، هذا ما بدأ به جلالة الملك محمد السادس، وأكده خلال إلقائه الخطاب السامي احتفالاً بمرور عشرين عاماً من العمل الدؤوب خدمةً للمملكة المغربية شعباً وأرضاً، وتأكيداً على ضرورة انتهاج دعائم الخطة التنموية بحذافيرها كافةً، والوقوف بعزم والالتزام بحزم لبناء «مغرب الأمل والمساواة للجميع».
في الوقت الذي تغدو إنجازات جلالته المبهرة حقيقةً ملموسة على الأراضي المغربية، يجدد العهد على الاستمرار ببذل كل غالٍ ونفيس، في سبيل تحقيق العيش الكريم الحر للمغاربة، أينما حلوا أو ارتحلوا، المغاربة الأشراف الذين لا يزيد الزمن وحدتهم إلا قوةً ورسوخاً حول ثوابتها وخياراتها العظمى سواء من الملكية الوطنية والمواطنة، أو الخيار الديمقراطي والتنموي، أو إصلاحاتها العميقة، التي أنجزت، ولا يزال تدفق غيثها بإسهاب.
إن الخطاب الصريح والواقعي الذي قدمه جلالته، حمل معانٍ صادقة لامست العقول قبل القلوب، آخذةً بالسواعد مع الهمم، معترفاً بكل تواضع عما واجه المغرب من عقبات نجح في تخطي بعضها، ويطمح لتخطي بعضها الآخر بهمم «الشعب العزيز»، إذ إن ما تم من إنجازات مثلت نقلة نوعية، سواء على مستوى البنى التحتية، أو الطرق، أو القطار فائق السرعة، والموانئ الكبرى، أو في مجال الطاقات المتجددة، وتأهيل المدن والمجال الحضري، إضافةً لما تم تحقيقه في مجال ترسيخ الحقوق والحريات، وتوطيد الممارسة الديمقراطية السليمة.
كما أشار جلالته في أيما موضع، عن توجهه الصريح نحو دمج وإشراك كافة الفئات المجتمعية في عملية التنمية الوطنية، جنباً إلى جنب غيرها من العوامل الدافعة بنهضة التنمية المغربية، والمتمثلة بالبنى التحتية، والإصلاحات المؤسسية، سعياً لإضافة تعزيز ملموس للطبقة الوسطى الزاخرة، والمؤهلات التي تثري من المسيرة المغربية التنموية في المجالات الاجتماعية وغيرها، التي شدد جلالته على أهمية إحاطتها بالنظرة الشمولية والكفاءات والشروط اللازمة، لإنجاز مشاريعها المبرمجة.

إن الرغبة الملحة لدى جلالته بالبدء بالعمل الجاد والدؤوب، تبدو بارزةً إذ لم يتمحور خطابه حول إجراءات أو عبارات جامدة، بل تعدت ذلك للقرارات الفورية، داعياً لإحداث لجنة خاصة لا تشبه غيرها بالمعايير والمواصفات المعرفية والفكرية، ومحددة المهام بفترة زمنية مقررة، تنفرد بالعمل على تحقيق مصالح المجتمع وفهم أولوياته واستحضار مصالح الوطن العليا، ليشير جلالته استعداده التام لمواجهة الحقائق بشجاعة ومعالجة القاسي أو المؤلم منها، من خلال الابتكار واقتراح ما يناسبها.
ما قدمه جلالة الملك محمد السادس، من تأكيد على ما جاء به خطابه، السنة الماضية، بضرورة معالجة المعيقات والخروج بأمثل حلول للحالة التنموية والاجتماعية، وإصراره على مواجهة الحقائق، بشكل ينم عن رغبة صادقة وعجولة في تنمية حقيقية وإحلال معايير الخير والجمال والتطور، كواقع وحقيقة للمغرب الجديد، إضافةً لدعوته الصريحة لقطيعة المعاني السلبية، مع الحفاظ على الماضي الأصيل، والارتكاز على لبنته الأولى والاستمرار بالبناء الجديد.
ومع كل هذه الواقعية والتوجه القوي نحو الواقعية في وصف الأمور، وتحديد المستلزمات المثلى في وصف كل حالة وقضية، إلا أن الإرادة الملكية «شغوفة الطموح» تعتبر تجديد النموذج التنموي الوطني بكل ما يحمل من تغييرات جذرية وعميقة وجوهرية فاعلة، مجرد عتبة دخول لبوابة «المرحلة الجديدة»، القائمة على المسؤولية والإقلاع الشامل، لتقف المغرب في مصافي الدول المتقدمة. معلنةً عزمها على كسب الرهانات سواء أكانت داخلية، أم خارجية، وأولها رهان توطيد الثقة والمكتسبات، باعتبارها أساس النجاح، وشرط تحقيق الطموح، ذلك من خلال تحقيق ثقة المواطنين فيما بينهم، وفي المؤسسات الوطنية، التي تجمعهم، والإيمان في مستقبل أفضل، إضافةً للتغلب على رهان العزلة والانطوائية، والدعوة للانفتاح على الخبرات والتجارب العالمية، التي تمثل عماد التقدم الاقتصادي والتنموي. مشيراً جلالته لضرورة بناء اقتصاد قوي وتنافسي، من خلال مواصلة تحفيز المبادرة الخاصة، وإطلاق برامج جديدة من الاستثمار المنتج، وخلق المزيد من فرص الشغل، ذلك للوصول لمغرب مزدهر «لا مجال فيه للتفاوتات الصارخة، ولا للتصرفات المحبطة، ولا لمظاهر الريع وإهدار الوقت والطاقات»، من خلال اتحاد جهود المغاربة الشرفاء.