جاء إعلان نيجيريا مؤخراً عن خلوها التام من أية حالات إصابة جديدة بفيروس شلل الأطفال خلال السنوات الثلاث الماضية، ليجعل هذه الدولة الواقعة في غرب القارة السمراء قريبة من إعلانها خالية تماماً من هذا المرض. هذا الإعلان تحول درامي بالغ الأهمية، على خلفية أن نصف حالات الإصابة بفيروس شلل الأطفال في العالم حتى عام 2012 كانت تقع في هذه الدولة الأفريقية التي يتخطى عدد سكانها الـ200 مليون نسمة، ما يجعلها الدولة الأكبر في أفريقيا، والسابعة دولياً، من حيث تعداد السكان.
وبما أن نيجيريا استوفت الشرط الأول لإعلانها خالية من المرض تماماً، أي عدم حدوث حالات إصابة بالمرة خلال ثلاثة أعوام، يتبقى لها فقط التأكد من وجود نظام مراقبة ومتابعة يتمتع بالفعالية والكفاءة، حتى يمكن التأكد من أنه لن تقع أية إصابات مستقبلية، وهو ما قد يستغرق بضعة أشهر، لتنضم حينها إلى مصاف دول العالم الخالية من المرض جميعها، باستثناء باكستان وأفغانستان واللتين سجلتا 33 حالة إصابة حسب إحصائيات عام 2018.
ويأتي هذا النجاح النيجيري، على خلفية استقرار الأوضاع الأمنية في شمال شرق البلاد، بعد الانتصارات التي تحققت على المجموعة الإرهابية المعروفة بـ«بوكو حرام»، بالإضافة إلى الدعم السياسي، والدعم المالي والفني الذي تقدمت به العديد من المؤسسات الدولية العاملة في مجال الصحة العامة على الصعيد العالمي.
وشلل الأطفال هو مرض فيروسي سريع وشديد العدوى، اسمه بالإنجليزية (Poliomyelitis)، وقد تمت ترجمته إلى اللغة العربية منذ عقود طويلة بهذا المصطلح (شلل الأطفال)، حيث غالباً ما يصيب الأطفال دون سن الخامسة، وإن كانت هذه الترجمة خاطئة، حيث يمكن للعدوى بالفيروس أن تصيب من لم يتلقوا التطعيم في طفولتهم، وبغض النظر عن أعمارهم. وتتشابه أعراض العدوى بفيروس شلل الأطفال، مع أعراض العديد من الأمراض الفيروسية الأخرى، مثل الحمى، والشعور بالإرهاق، والصداع، والقيء، والإحساس بآلام في العضلات، مع تصلب عضلات الرقبة، ويمكن لهذا الفيروس، أن يتسبب في الشلل في غضون ساعات قليلة، لكونه يستهدف الجهاز العصبي المركزي مباشرة. وفي نصف في المئة من حالات العدوى، يصبح هذا الشلل دائماً، ويلقى ما بين 5 و10 ? من المصابين به، حتفهم اختناقاً، بسبب الشلل التام لعضلات التنفس.
وعلى رغم أن شلل الأطفال مرض قديم قدم التاريخ ذاته، حيث توجد سجلات للمرض على جدران قصور ومعابد الفراعنة، إلا أن الجنس البشري لا زال عاجزاً عن العثور على علاج ناجع لمن يصابون به. فحتى منتصف الخمسينيات من القرن العشرين، كانت المدن الكبرى حول العالم، تتعرض سنوياً لوباء أو أكثر من شلل الأطفال. فمثلا في عام 1915 فر الآلاف من سكان مدينة نيويورك إلى الضواحي، بعدما أصاب وباء شلل الأطفال المدينة، مسبباً شلل 27 ألف شخص، لقي تسعة آلاف منهم حتفهم بسبب مضاعفات المرض.
ولكن هذا لا يعني أن الطب الحديث لم يحقق انتصارات مهمة وحاسمة أمام هذا المرض، في شكل تطعيمات ولقاحات فعالة في الوقاية من الإصابة. ففي عام 1954 تم اكتشاف أول تطعيم ضد الفيروس، وبعدها بثلاثة أعوام تم اكتشاف نوع أفضل، وهو النوع المستخدم حتى الآن ضمن الجهود الدولية للقضاء على الفيروس. ويكفي لإدراك حجم نجاح جهود مكافحة والقضاء على هذا الفيروس اللعين، أن عدد الإصابات انخفض من 350 ألف حالة في عام 1988، إلى مجرد 1,267 في عام 2004، وإلى 33 حالة فقط العام الماضي كما ذكرنا سابقاً، مما يظهر مدى الأثر الذي خلفته حملة القضاء على فيروس شلل الأطفال منذ بدايتها قبل ثلاثة عقود.
وجدير بالذكر هنا، أن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، كان قد قدم منذ عام 2011 مبلغ 167,8 مليون دولار، مساهمة من سموه في دعم الجهود العالمية لاستئصال مرض شلل الأطفال، مع التركيز بشكل خاص على باكستان وأفغانستان. وتأتي مساهمات سموه، في إطار النهج الإنساني لدولة الإمارات العربية المتحدة في التعاون مع المنظمات والمؤسسات الدولية المعنية بتوفير الخدمات الإنسانية والصحية للمجتمعات والشعوب المحتاجة، وتقديم المساعدات لهم، ودعم الجهود العالمية لاستئصال مرض شلل الأطفال، والتقليل من حالات الإصابة به بنسبة كبيرة في الدول المستهدفة بالمبادرة.