نعرف التحفظات المعهودة بشأن مجموعة الدول السبع الكبرى، وهي تحفظات مشروعة. غير أن قمة هذه المجموعة لم تعد لقاءً غير رسمي يجتمع فيه أصدقاء حول مدفئة مثلما تخيله الرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان خلال تأسيس المجموعة عام 1975، إذ تحول اجتماع السبع الكبرى إلى حدث دولي كبير، يتصدر عناوين الأخبار ويحشد وسائل الإعلام ويثير المعارضين. وبينما كان لواء من الدرك الفرنسي كافياً لضمان أمن أول قمة للمجموعة، فإن الأمر تطلب أكثر من 13 ألف شرطي ودركي لتأمين قمة السنة الحالية.
مجموعة السبع كانت تمثّل العالم الغربي المهيمن على العالم إلى حد كبير في عام 1975، لكن منذ ذلك التاريخ، فقد الغرب احتكار القوة، وفقد الغنى الاقتصادي أيضاً. ومن جهة أخرى، فإن مفهوم العالم الغربي، والذي ظلت تتزعمه أميركا، بدأ يتغير في ظل زعامة الرئيس ترامب الذي يرفض فكرة التحالف الغربي بمعناها القديم.
لقد أصبحت مجموعة العشرين مبرَّرة أكثر من مجموعة السبع، فهذه الأخيرة ضعفت بعد استبعادها روسيا في 2014، لكن من المستحيل إعادة هذه الأخيرة من دون تقدم في الملف الأوكراني. غير أن الانتقال من مجموعة السبع إلى مجموعة الثماني لن يغير أشياء كثيرة. على أن الأنسب من وجهة نظر استراتيجية واقتصادية هو تشكيل مجموعة ثماني بعضوية كوريا الجنوبية.
وإذا كان ترامب يمنع مجموعة السبع من أن تكون نادياً حقيقياً للتنسيق والتشاور بين البلدان الغربية، فإنها ما زالت مفيدة مع ذلك. أولاً لأن اللقاءات الدبلوماسية ضرورية دائماً، ولأن التحاور والتحادث أفضل من التباعد والتجاهل، بل من التشاتم. وثانياً، لأن قمة المجموعة تسمح بتنسيق بين الأعضاء الستة الآخرين الذين استطاعوا التذكير أمام ترامب بأنهم ما زالوا يؤيدون حلا دبلوماسياً مع إيران وعودة إلى الاتفاق الذي عقد في 2005، وبأنهم يعارضون فكرة حرب اقتصادية. بوريس جونسون، ورغم أنه أكد على رغبته في أن يكون أفضل حليف لترامب، ظل مع الموقف المشترك للأوروبيين بخصوص هذين الموضوعين. موقف استغله إيمانويل ماكرون من أجل مباحثات دبلوماسية طويلة بدأت يوم 19 أغسطس المنصرم مع استقبال فلاديمير بوتين في بريغانسون، ثم مع اجتماع ثنائي مع رئيس الوزراء الهندي «مودي».
وواصل ماكرون استراتيجية الحوار والتشاور مع ترامب. هذا الأخير قال إنه ليس واثقاً من حضور مأدبة العشاء المخصصة لقادة المجموعة، لكنه جاء قبل الوقت المحدد وتناول الغداء مع الرئيس الفرنسي.
ومن غير المحتمل أن يفضي ذلك إلى تغير في موقف الرئيس الأميركي من المواضيع الأساسية. وإذا كان لابد له من أن يغير موقفه من الحرب التجارية مع الصين، فسيكون ذلك على الأرجح بسبب الآفاق الاقتصادية القاتمة التي يمكن أن تسببها الحرب التجارية للولايات المتحدة وشركاتها الكبرى.
ولئن كانت الزيارة المفاجئة لوزير الخارجية الإيراني جواد ظريف تُعد إنجازاً دبلوماسياً بالنسبة لماكرون، فسيكون من الإفراط في التفاؤل الاعتقاد بأن ترامب سيعود بسرعة إلى مشاعر أفضل تجاه إيران. ذلك أن الملف الإيراني هو قبل كل شيء ملف سياسة داخلية بالنسبة له في الولايات المتحدة. غير أن عليه أن يستمع إلى تحفظات من يحذّرون من احتمال مواجهة مسلحة قد تنطلق بشكل عرضي. ولو كان ثمة تقدم في الملف، فإن ماكرون مساهم فيه. أما إذا لم يحدث أي شيء، فيمكنه أن يتباهى بأنه فعل كل ما بوسعه من أجل حل لهذا الملف.
الرئيس الفرنسي واصل الاضطلاع بدور بطل السياسة متعددة الأطراف إزاء عودة السياسة الأحادية مع ترامب، دون أن يعني ذلك القطع مع هذا الأخير، لكن هذه الطريقة قد لا تكون مستديمة وربما سينبغي الانتقال إلى مرحلة أكثر هجومية إذا لم يتغير أي شيء.
*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية -باريس