«كثرت الشكوى من ملف التوطين، ونحن نسمعها.. وانخفضت نسبة رضا الناس عن تعامل المسؤولين مع هذه الظاهرة، ونحن نرصدها.. توفير الوظائف للمواطنين كان وسيبقى أولوية».
تلك هي رسالة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وهي كلمات، بحق، تعكس نبض الشارع الإماراتي وهموم المئات من المواطنين الباحثين عن عمل. ولطالما شهدنا مدى اهتمام حكومة الإمارات بملف التوطين بدءا من إنشاء وزارة «الموارد البشرية والتوطين»، وهي الجهة الحكومية المٌكلفة بتسهيل وتوفير فرص العمل للمواطنين في سوق العمل، إلى تأسيس العديد من البرامج الحكومية والجهات المحلية المسؤولة عن تحقيق أهداف التوطين أيضاً، والتي من أبرزها العمل على استمرارية إطلاق إمكانات المواطنين ليقودوا عجلة التطوير الاقتصادي، إضافة إلى رفع نسبة التوطين في القطاع الخاص خلال السنوات القادمة وهو من ضمن الأهداف الاستراتيجية الحكومية المعلن عنها ضمن «رؤية الإمارات 2021».
وتؤكد تطورات ملف «التوطين» في الآونة الأخيرة أنه ما زال يواجه عدة تحديات لطالما أشرت إليها خلال مقالات التوطين في الأعوام الماضية مما يشير إلى أن هذا الملف ما زال يبحث عن الضوء في نهاية نفق يتزايد فيه سنوياً أعداد المواطنين الباحثين عن عمل الأمر، الذي جعل منه «معضلة» حقيقية في حاجة إلى إجراءات عاجلة وملموسة. ولكي نكون أكثر دقة في هذا الموضوع، نؤكد على أن الأمر لا يتعلق مطلقاً بمدى نجاح معارض التوظيف، إذ يؤكد العديد من المواطنين على أن تلك المعارض بعضها (ديكور) والبعض الآخر (شو إعلامي)، بل الأمر يتعلق بنقاط أخرى اجتمعت لتُشكل «معضلة التوطين»، والتي عبر عنها بعض المواطنين مؤخراً بنشر أبيات شعرية على وسائل التواصل الاجتماعي تعكس مدى سخطهم من الفشل في العثور على وظيفة بجانب نشر صور تعكس تذمراً واضحاً من بعض المواطنين الذين يجتازون مقابلات التوظيف ضمن حملات التوطين من قبل أشخاص غير مواطنين، ولذلك فإن لسان حال هؤلاء المواطنين هو عدم الرضا، الأمر الذي رصده وشعر به صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في رسالته الأخيرة للمسؤولين الحكوميين.
أما النقطة الأولى التي ساهمت في تكوين معضلة التوطين فهي عدم ملاءمة مخرجات التعليم مع احتياجات سوق العمل، ولقد أكد هذا بعض أصحاب الأعمال مؤخرا بقولهم إن المؤهلات العلمية لعدد كبير من الخريجين الجدد لا تتناسب مع الوظائف المتاحة. والنقطة الثانية هي الجهل بمعدلات استمرار المواطنين في وظائف القطاع الخاص بعد نجاح وزارة الموارد البشرية والتوطين في توظيفهم، وما العوامل التي أدت لاستمرارهم وتٌشكل عوامل جذب لغيرهم، وتلك التي تسببت في تركهم الوظيفة وتحتاج إلى إجراءات تصحيحية. والنقطة الثالثة هي هل توجد فعلياً تقارير إحصائية لدى وزارة الموارد البشرية والتوطين باحتياجات القطاع الخاص من الخريجين المواطنين لخمس أو عشر سنوات قادمة؟ والنقطة الرابعة والأخيرة، والتي طالما يٌنظر إليها كعامل رئيس في عملية اتخاذ القرار في التوطين، هي العلاقة التي تربط وزارتي التربية والتعليم والموارد البشرية والتوطين في جانب مخرجات التعليم في الدولة واحتياجات سوق العمل، وبالتالي مدى توفر الإحصائيات الدقيقة والدورية حول الخريجين واحتياجات سوق العمل وأعداد المواطنين التي يحتاجها خلال عشر سنوات ما سيؤدي بلا شك إلى وضوح الصورة أمام المواطنين الباحثين عن عمل بشكل خاص والمؤسسات التعليمية وسوق العمل بشكل عام حول جهود الدولة في التوطين.
تلك النقاط الأربع، وغيرها أيضا، تٌشكل حالياً «معضلة التوطين»، والتي نهدف جميعاً من خلال عرضها ومناقشتها في وسائل الإعلام إلى مساعدة الجهات المعنية بإلقاء الضوء على تحديات التوطين ومناقشتها، من أجل تحقيق طموحات المواطنين الباحثين عن عمل.