تراجعت الحكومة الإيطالية الجديدة في الآونة الأخيرة قليلاً عن سياسة إغلاق موانئها التي كانت تعد علامة مميزة لموقف البلاد المعادي للمهاجرين، عندما سمحت لسفينة إنقاذ إنساني في البحر المتوسط تقل 82 شخصا بالرسو على شواطئها. وأظهر مقطع مصور، اُلتقط على متن السفينة، أحد أفراد الطاقم وهو يعلن وسط بهجة المهاجرين «إننا في طريقنا إلى جزيرة لامبدوسا الإيطالية».
والطريقة التي تعاملت بها إيطاليا مع السفينة«أوشن فايكينج» يقدم أول بادرة ممكنة على أكثر الأسئلة محورية التي تواجه الحكومة ذات الميول اليسارية مثل: كيف تستجيب حين تنقذ قوارب أشخاصاً في البحر، وتتوجه بهم إلى إيطاليا؟ في هذه الحالة، وبخلاف ما اتبعته الإدارة السابقة، لم تهدد إيطاليا قارب الإنقاذ بغرامات أو الاستيلاء عليه إذا دخل مياهها الإقليمية، بل اضطر القارب للانتظار في البحر ستة أيام بينما كانت عدة دول أوروبية تضع خطة مرتجلة لإعادة توزيع المهاجرين مع إبقاء نسبة صغيرة منهم في إيطاليا. ووصف بعض المشرعين الإيطاليين النتيجة بأنها بداية حقبة أقل عدائية تجاه أشخاص فارين من أفريقيا والشرق الأوسط.
لكن خبراء وأشخاص مشاركين في عمليات إنقاذ المهاجرين يرون أنه لم يتضح بعد مدى عزم حكومة إيطاليا التي تولت السلطة رسميا يوم الثلاثاء الماضي على إجراء تعديلات شاملة. ونبهوا إلى أن إيطاليا لم تفتح تلقائيا الباب أمام سفن إنقاذ المهاجرين. فما زالت مثل هذه القوارب تنتظر في البحر في حالة من عدم اليقين بينما تبحث الدول الأوروبية ما يتعين عليها فعله. وأشاروا أيضا إلى أن حكومة إيطاليا الجديدة التي تولت السلطة بعد أسابيع من مفاوضات مغلقة قد تواجه رد فعل شعبي نتيجة أي تصاعد في أعداد المهاجرين. ومازال حزب "الرابطة" من أقصى اليمين الذي انتهى الائتلاف الذي كان يشارك فيه أكثر أحزاب البلاد شعبية. وأعلن زعيم الحزب، «ماتيو سالفيني»، أن إيطاليا تعيد فتح موانيها وستصبح «ساحة اللاجئين في أوروبا».
وأعلن «لويجي دي مايو» رئيس حزب «حركة خمس نجوم» وهو ثاني حزبين في الائتلاف الحاكم أن من الخطأ أن نعتقد أن إيطاليا غيرت نهجها، مشيراً إلى أن القارب كان مسموحا له بدخول المواني بناء على ترتيب تم التوصل إليه مع دول أوروبية أخرى. وعلى مدار الشهور الـ 14 الماضية، أغلقت إيطاليا، وهي محطة وصول للمهاجرين بحكم واقع الحال، أبوابها فعليا أمام سفن الإنقاذ الإنسانية. وكافحت أوروبا منذئذ كي تضع نظاما بشأن كيفية التعامل مع المهاجرين الذين يجري إنقاذهم في البحر. وفي أكثر من 20 حالة، تم فرض انتظار على القوارب في البحر المتوسط لبضعة أسابيع أحيانا.
وأثناء الأزمات السابقة، كان «سالفيني»، وزير الداخلية السابق الذي يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي بكثرة، يصدر بيانات تعلن الإغلاق التام للموانئ الإيطالية أمام الجماعات الأهلية التي كان يساوي بينها وبين المهربين. وتساءلت جماعة «سي-ووتش» الألمانية لإنقاذ المهاجرين في تدوينة على تويتر «هل تحولت الأمور إلى البحث والإنقاذ في ظل حكومة إيطاليا الجديدة؟ أم أن هذا الحد الأدنى من الاحترام لحكم القانون الدولي هو وعد قصير العمر بالتغيير؟ الزمن سيكشف الأمور، لكن حاليا يسعدنا مرأى وصول الذين كانوا ينتظرون إلى ميناء آمن».
وتبحث أوروبا كيفية التعامل مع التحديات السياسية للهجرة رغم التقلص الشديد في أعداد الوافدين الجدد عما كانت عليه عامي 2015 و2016. كما أن عدداً من الحكومات الإيطالية، من بينها إدارة «يسار الوسط» التي سبقت «سالفيني»، اتخذ إجراءات لمنع تدفق الوافدين عبر البحر المتوسط، وهذا العام وصل نحو 5800 شخص عبر البحر إلى إيطاليا مقارنة مع 180 ألفا عام 2016.
ويرأس الحكومة الإيطالية الجديدة «جوزيبي كونتي» الذي كان يشغل المنصب نفسه في الائتلاف بين حزبي «الرابطة» وحركة «خمس نجوم». وأبدى «كونتي» استعداده للتعاون مع أوروبا لحل مشكلات اللاجئين. وفي الأيام القليلة الماضية، أوضح أن الاتحاد الأوروبي وضع خطة تُفرض فيها عقوبات مالية على الدول التي تريد إبقاء أبوابها مغلقة. وتعقد دول الاتحاد الأوروبي اجتماعات في وقت لاحق من الشهر الجاري في مالطة لمناقشة مقترحات خاصة بالهجرة. وترى جوديث ساندرلاند من منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن سالفيني كان أقل اهتماما بالتفاوض مع أوروبا بشأن كيفية التعامل مع الهجرة لأنه «كان يستفيد سياسيا من كل أزمة. وهذا يوضح مدى أهمية أن يكون هناك اتفاق طويل الأمد من نوع ما. وفي المدى الطويل، يتعلق الأمر بإظهار أن أوروبا بوسعها أن يكون لديها سياسات إنسانية تحترم الحقوق فيما يتعلق بالهجرة».
تشيكو هارلان*
*رئيس مكتب «واشنطن بوست» في روما.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»