كان الاقتصاد الهندي دائماً نقطة مضيئة حتى في أوقات الركود العالمي. لكن في الوقت الحالي، تمر قصته الاقتصادية بتحديات. فقد فقدت الهند بصمتها باعتبارها الدولة الأسرع نمواً في العالم بالنسبة للصين. وفي الربع الأخير من العام الحالي، وخلال الفترة من شهر أبريل إلى يونيو 2019، أصاب الناتج المحلي الإجمالي للهند نمواً بنسبة 5 في المئة فقط. ويعد هذا تراجعاً مقارنة بالنسبة التي حققتها في نفس الفترة من العام المالي الماضي حيث أصابت نمواً بنسبة 8 في المئة. وهذا أيضاً أبطأ معدل نمو يحققه الاقتصاد في بعض الوقت، الأمر الذي يثير قلق حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، الذي وعد بدفع النمو. وكان صندوق النقد الدولي قد توقع قبل شهرين معدل نمو أبطأ بالنسبة للهند في عامي 2019 و2020 على خلفية ضعف الطلب المحلي.
على سبيل المثال، يشهد قطاع صناعة السيارات، الذي كان يعد نقطة مضيئة في الاقتصاد الهندي، مؤشرات تراجع. وبالفعل، ألقت صناعة السيارات بظلالها على مئات من فرص العمل بسبب التباطؤ حيث تراجع الطلب على شراء السيارات. ويمكن لمس التباطؤ في العديد من القطاعات الأخرى بدءاً من التصنيع والنقل والاتصالات والبناء والزراعة إلى العقارات. وفي الوقت نفسه، بلغ معدل البطالة أعلى مستوياته منذ عقود.
ووفقاً لمركز مراقبة الاقتصاد الهندي، بلغ معدل البطالة أعلى مستوياته في ثلاث سنوات ليبلغ 8.4 في المئة في شهر أغسطس 2019، وتفيد التقارير أن قطاع صناعة السيارات قام بتسريح حوالي 300 ألف موظف.
وبدأت الحكومة في اتخاذ العديد من التدابير للتصدي للتباطؤ الاقتصادي. ففي هذا الأسبوع، أعلنت وزيرة المالية الهندية عن سلسلة من التدابير لإعطاء دفعة لقطاعات الإسكان والتصدير. فقد أعلنت عن تقديم تمويل بقيمة 100 مليون روبية لإنجاز عدد كبير من المشروعات السكنية غير المكتملة. وقبل ذلك، أعلنت الحكومة عن تخفيضات ضريبية للشركات الناشئة، بالإضافة إلى تقديم قروض صغيرة لشراء المنازل والسيارات، وكذلك ضخ 700 مليون روبية في البنوك الحكومية. واتخذت الحكومة خطوات لتحسين تدفقات الائتمان من البنوك. كما أعلنت أيضاً عن إجراءات لتيسير الاستثمار الأجنبي بما في ذلك الانفتاح على صناعة الفحم وتخفيف اللوائح الصارمة الخاص بالاستعانة بمصادر محلية، والتي لا تشجع شركات مثل شركات تجارة التجزئة العالمية على فتح فروع لها في الهند.
ومع ذلك، ربما لا تفيد هذه التدابير الاقتصاد. فالاقتصاد الهندي ليس بحاجة إلى تغييرات تجميلية بل بحاجة إلى تغييرات كبيرة. وقد أقر بنك «الاحتياطي الهندي» بأن هناك قضايا هيكلية في الأرض والعمل والتسويق الزراعي وما شابه ذلك، والتي تحتاج إلى معالجة.
ويتضمن الإصلاح الهيكلي، الذي يتم حث الحكومة على الانتباه إليه، تعديلات على قانون حيازة الأراضي، لجعل عملية حيازة الأراضي أكثر سهولة وتنظيماً. وتشمل الإجراءات الأخرى تخفيف قوانين العمل التي من شأنها أن تسهل على الشركات تعيين الموظفين وفصلهم من العمل وتحسين سهولة ممارسة الأعمال التجارية.
التباطؤ الاقتصادي ربما كان سببه اتخاذ قرارات غير مدروسة، ففي عام 2016، عندما كان الاقتصاد الهندي مزدهراً، قامت حكومة ناريندرا «مودي» بإلغاء بعض الأوراق النقدية ذات القيمة العالية في اقتصاد يعتمد على النقد. وتم إلغاء ما يقرب من 85 في المئة من النقود وإخراجها من التداول. وكان تأثير هذا القرار على الاقتصاد الهندي قوياً لأنه أثر على الزراعة وقطاع العقارات والتصنيع وغالبية القطاعات التي تشكل جزءاً قوياً من الاقتصاد الهندي. وفي الواقع، فقد عانت الزراعة بشكل أسوأ مع سحب الأموال من الاقتصاد.

وقبل أن يتلاشى تأثير إلغاء الفئات النقدية، سارعت الحكومة إلى فرض ضريبة السلع والخدمات. وفي حين أن الضريبة أدخلت أربع فئات ضريبية بدلاً من فئة واحدة، أدى التنفيذ العشوائي إلى مشاكل بالنسبة للشركات الصغيرة التي كافحت من أجل الدخول في النظام الجديد. وتبع ذلك ارتفاع أسعار النفط. وبدأ معدل البطالة في الارتفاع رغم أن الأجور ظلت راكدة، الأمر الذي أثر على الاستهلاك في الاقتصاد.
ومن ناحية أخرى، فإن الجهود المبذولة لتعزيز قطاع التصنيع، على سبيل المثال، لم يتم لمس تأثيرها بعد. ولم يكن لبرنامج «صنع في الهند»، الذي أطلقته الحكومة لتعزيز قطاع التصنيع تأثير كبير مع تضاعف اعتماد الهند على الصين للحصول على السلع في السنوات الخمس الماضية. ومن الواضح أن الحكومة الهندية تحتاج إلى اتخاذ مجموعة من القرارات لضمان ألا يؤدي التباطؤ الاقتصادي إلى تشويه قصة النمو في الهند، ما يؤدي إلى ارتفاع معدل البطالة ومرور قطاعات مختلفة، من صناعة السيارات إلى العقارات، بمرحلة صعبة.
لا شك أنه لا يوجد سبيل واحد لحل المشاكل الاقتصادية في البلاد. لكن قصة النمو الهندي لا تزال قوية مقارنة بغيرها من الدول. ولا تزال الهند واحدة من الاقتصادات الأسرع نمواً في العالم. ولكن من الواضح أن حكومة «مودي» ستضطر إلى التوصل إلى إصلاحات لمنع الاقتصاد من التراجع.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي