زار رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الولايات المتحدة في عدد من المناسبات خلال الأعوام الستة الماضية، لكن ربما أن زيارته الأخيرة كشفت أهمية نيودلهي بالنسبة لواشنطن، وكذلك أظهرت أنه على رغم من التوترات التي شابت العلاقات بين البلدين، إلا أن كلاً منهما تمثل أهمية للأخرى.
وقد قوبل رئيس الوزراء الهندي بحفاوة شديدة لدى استقباله في هيوستن حيث اجتمع آلاف الأميركيين من ذوي الأصول الهندية لرؤية مودي. وانضم إليه لاحقاً الرئيس دونالد ترامب. وجذبت الفاعلية حشداً زاد على 50 ألف شخص، وهو أكبر تجمع لمؤيدي رئيس وزراء هندي خارج البلاد. وبدا البرنامج مثل حملة علاقات عامة بامتياز، فقد أكد على أهمية العلاقات المتنامية بين الهند والولايات المتحدة. ولدى عودته، قال «مودي» إن هناك تغييراً في مواقف قادة العالم تجاه الهند، وأن وضع الدولة قد تحسن بشكل كبير منذ عام 2014. وقد أشارت صور مشاركة الزعيمين في فاعلية «هيوستن» بوضوح إلى أن العلاقات بين البلدين لا تزال قوية على رغم من التوترات الأخيرة. وشدد ترامب أمام الحشد، على أن «الهند لم يكن لديها أبداً صديق أفضل منه في البيت الأبيض».
وفي حين لا يوجد شك في أنه ثمة تقارب بين البلدين وتأكيد على ذلك، لكن بالنسبة للهند لا تزال هذه العلاقة الناشئة هي أكثر جوانب سياساتها الراهنة أهمية، لذا، حدث تعاون وثيق بين واشنطن ونيودلهي في مجالات مثل الدفاع والأمن، بينما صنّف الولايات المتحدة الهند باعتبارها شريكاً دفاعياً مهماً في عام 2016.
لكن على رغم من ذلك، تسللت التوترات إلى العلاقات الاقتصادية في ظل رئاسة ترامب. ففي يونيو خلال العام الجاري، وصف ترامب الهند بأنها «ملكة الرسوم الجمركية»، ورفعها من قائمة الدول النامية المستفيدة من برنامج «المعاملة التفضيلية» كان يسمح بدخول صادرات هندية بقيمة 5.6 مليار دولار سنوياً إلى الولايات المتحدة من دون أية جمارك. ولدى واشنطن مشكلات أخرى مع قواعد استثمار جديدة وضعت لقدرة شركات تكنولوجية عملاقة مثل «أمازون» على الاستثمار في القطاع المتنامي في الهند. وكانت الولايات المتحدة تدفع نيودلهي لفتح أسواقها بدرجة أكبر أمام منتجات الألبان والأجهزة الطبية من بين قطاعات أخرى، وتوفير مناخ أكثر محاباة لشركاتها.
لذا، في أعقاب زيارة مودي، أعلنت وزيرة المالية الهندي «نيرمالا سيتا رامان»، أن معدل الضرائب على الشركات سيتم تخفيضه من 30 في المئة إلى 22 في المئة بالنسبة للشركات التي لا تسعى للحصول على أية إعفاءات. وأتاح ذلك الفرصة لمودي لكي يقدم عرضاً قوياً للاستثمارات الأميركية في الهند. واعتبرت هذه الخطوة نقطة تغيير، لاسيما أن التخفيضات الضريبية الهندية لمصلحة الشركات أقل منها في دول أخرى كثيرة، وجعلت السوق الهندية أكثر تنافسية بالنسبة للاستثمارات الأجنبية. ومن الواضح أن القرار بشأن الضرائب قد ساعده على تعزيز صورة الاقتصاد الهندي وجعله أكثر جاذبية للاستثمار.
لكن على رغم من كثير من مشاركات رئيس الوزراء مودي، بما في ذلك الحشد الضخم في هيوستن، لم تكن هناك نتائج كثيرة ملموسة من الزيارة. فقد انطوت على قدر كبير من التصريحات الصور أكثر من الإنجازات الحقيقية. ولم يف كلا البلدين بالموعد المحدد لإعلان اتفاق تجاري محدود تجري مشاورات بشأنه منذ وقت طويل، وبالكاد أعلنا إحراز «تقدم ملموس» واستمرار المحادثات البنّاءة في هذه الصدد. ومن ثم، علينا الانتظار لمعرفة ما ستؤول إليه المحادثات بينهما. ومن الواضح أن ترامب ليست لديه نية التراجع عن مطالبته بخفض الرسوم الجمركية وفتح السوق بدرجة أكبر أمام الشركات الأميركية.
وقد أظهرت الزيارة أيضاً أن الولايات المتحدة تحاول بقوة موازنة علاقاتها السياسية بين الهند وباكستان. ففي حين أن الرئيس الأميركي أشار إلى أهمية الهند في سياساته الخارجية، ألمح أيضاً إلى أهمية باكستان. وبعد لقاءاته مع رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، شدد على وجود علاقات طيبة مع إسلام آباد.
وتريد واشنطن الحفاظ على علاقاتها بكلا البلدين. فباكستان ضرورية لها بسبب أفغانستان، حيث ترغب منها الدفع باتجاه اتفاق سلام والحفاظ على قناة اتصال مفتوحة مع حركة «طالبان» بغية الخروج من المأزق الأفغاني في أقرب وقت ممكن.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي