تشهد وسائل التواصل الاجتماعي ما يمكن أن يوصف بالفوضى فعلاً؛ حيث تحولت من وسائل للتواصل الاجتماعي والتعارف والتقارب بين الأفراد والمجتمعات والدول، إلى ساحة للسب والشتم وبث الفرقة، وحتى لإظهار سلوكيات غريبة لم تكن موجودة من قبل، بل كانت تعتبر من المحرمات الاجتماعية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية. والسبب في ذلك ليس التكنولوجيا أو وسائل التواصل نفسها؛ فهذه في الحقيقة مظاهر تطور غير مسبوق ولها فوائد كثيرة ولا تخفى على أحد، سواء على صعيد تبادل الأفكار، أو التعارف والتقريب بين الناس التي تفصل بينهم المسافات، ومن مختلف الثقافات والأعراق؛ أو التضامن مع الفقراء والشعوب أو الجماعات المضطهدة؛ أو نشر الوعي بقضايا محلية وعالمية مهمة؛ أو سهولة وسرعة الوصول إلى المعلومة أو الأخبار والأحداث الجارية وغيرها من الإيجابيات الكثيرة التي أوجدتها وسائل التواصل الاجتماعي. ولكنها للأسف. تحولت إلى وسائل مضرة؛ حيث تستغل من قبل بعض الأطراف للإساءة والتجريح والتشكيك والتهم من دون أي أدلة ولا بينات، بل غدت مجالاً رحباً للافتراءات والأكاذيب ونشر الشائعات، هذا فضلاً عن نشر قيم مخالفة لعادات وتقاليد المجتمع المحترمة، التي ضمنت تماسكه وجعلت منه مجتمعاً متراحماً ومتكافلاً يحمل بعضه بعضاً. ومن هنا جاء وصف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، واقع وسائل التواصل الاجتماعي في مجموعة من الرسائل وجهها سموه مؤخراً للمواطنين والمواطنات، مع بداية موسم جديد للعمل والإنجاز في الإمارات؛ حيث تشهد ساحات التواصل الاجتماعي فوضى كبيرة بهدف العبث بكل شيء من دون قيود أو ضوابط، مروجة لحملات من التشهير والتشكيك في الشخصيات العامة، وتمتطي الحرية لتشويه منجزات الماضي والحاضر؛ لترسم مستقبلاً مليئاً بالإحباط لشباب تعدهم الأمم لبناء مستقبلها.
ولا شك في أن هذه المشكلة توجب ليس فقط مجرد إجراءات أو ردود أفعال؛ وإنما استراتيجية شاملة ومتكاملة تتعامل مع مختلف جوانب الموضوع. لذلك، وجه مجلس الوزراء مؤخراً المجلس الوطني للإعلام بضبط وسائل التواصل الاجتماعي ووضع معايير عالية للدفاع عن الوطن في وسائل التواصل. وقد أكد المجلس الوطني للإعلام أن العمل جارٍ على إنجاز التصور النهائي للإطار الشامل لوسائل التواصل الاجتماعي، بما يتواءم مع توجيهات القيادة الرشيدة، ويعزز حرية الرأي المسؤولة. ويجب أن يشمل مثل هذا التصور ضوابط وقواعد ومعايير محددة عملية وقابلة للتطبيق، بحيث تضمن الاستخدام الأمثل لهذه الوسائل وبما يحقق الأهداف المرجوة منها، ووضع إجراءات فنية وتقنية تحد من نشر المواد أو الكتابات المضرة أو المؤذية؛ دونما تضييق على حرية التعبير، وفي الوقت نفسه ضرورة وضع ضوابط قانونية تحد من الممارسات السلبية بما في ذلك عقوبات متناسبة، لردع المسيئين أو الذين يتجاوزون حدود حرية التعبير للإساءة للآخرين أو تشويه سمعتهم. صحيح أن استخدام هذه الوسائل يجب أن يكون ضمن المسؤولية الأخلاقية والدينية والمجتمعية، لكن يجب أن يخضع أيضاً للمسؤولية القانونية؛ ولهذا لابد من وضع تشريعات تنظم المحتوى الرقمي. وكأطر عامة، لابد من التركيز على جانب التوعية، وخاصة للطلبة والنشء، الذين يتأثرون أكثر من غيرهم بهذه الوسائل وما ينشر فيها، وربما تسهم في تشكيل نمط شخصيتهم وكذلك قيمهم. وتقع مسؤولية التوعية هنا ليس على جهة بعينها؛ بل هي في الأساس مسؤولية مجتمعية، لكن هناك لا شك مؤسسات مهمة يجب أن تضطلع بدور أكبر وضوحاً في هذا المجال، وهي الإعلام الذي لا يبدو أنه يقوم بدور مؤثر في هذا السياق، والمؤسسات التعليمية والتربوية؛ بالإضافة إلى الأسرة التي تقع على عاتقها مسؤولية كبيرة وكبيرة جداً في المراقبة والمتابعة.
عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية