في ظل الاحتجاجات الجماهيرية التي تعصف بلبنان والعراق، والتطورات المزعجة في سوريا واليمن، وآخر حلقات مسلسل السياسة الإسرائيلية المستمر، لا يتم إيلاء سوى القليل من الاهتمام لمحنة الفلسطينيين. ومن نتائج هذا الإهمال أن كلاً من إسرائيل وإدارة ترامب يشعران أن لهما حرية التصرف في تسريع عمليات القمع للشعب الفلسطيني المحاصر.
وقد ورد إلى مكتبي تقريران هذا الأسبوع، وكلاهما يوضح هذه النقطة ويتطلب اهتمامنا. أولاً، نتيجة لفقدان المساعدات الأميركية المقدمة لوكالة الأونروا، ذكرت هذه الأخيرة أنها اضطرت إلى إجراء تخفيضات جذرية في البرامج والموظفين. وفيما يلي مقاطع من التقرير لتحديد حجم الخسارة.
في غزة، «من أجل حماية المساعدات الغذائية، التي تقدمها أونروا لنصف السكان، تم قطع البرامج الحيوية الأخرى». وهذه تشمل: إعانات الإسكان لمن لا يزالون مشردين منذ حرب 2014، تخفيضات كبيرة في برنامج النقد مقابل العمل (بنسبة 59%) وبرنامج الصحة العقلية المجتمعية (بنسبة 40%). وعلاوة على ذلك، اضطرت الأونروا إلى إنهاء جميع عمليات إصلاح شبكات المياه والصرف الصحي في مخيمات اللاجئين، وإنهاء برامج دعم الطلاب الذين تأثر تعليمهم بالصراع.
وفي الضفة الغربية، تم خفض التمويل بنسبة 67%، مما أدى إلى وقف برامج الصحة العقلية المجتمعية وعيادات الصحة المتنقلة، وإنهاء برنامج النقد مقابل العمل لـ 90.000 لاجئ، وقصر المساعدات الغذائية على 30% فقط من اللاجئين المؤهلين. ونتيجة للتخفيضات في البرامج التعليمية، أيضاً، تمت زيادة متوسط عدد الطلاب في الفصول في الضفة الغربية من 30 -50 طالباً. هذا إلى جانب خفض برامج الأونروا التي تخدم اللاجئين في لبنان وسوريا والأردن.
ومما ساعد على تفاقم هذه الأوضاع قرار إدارة ترامب بقطع التمويل عن المنظمات الأميركية غير الحكومية التي تقدم دعماً إنمائياً وإنسانياً مهماً للفلسطينيين في جميع أنحاء الأراضي المحتلة.
وعلاوة على ذلك، أُجبِرَ الفلسطينيون الذين يعيشون تحت الاحتلال العسكري على حمل أعمال القمع والوحشية على أيدي الجيش الإسرائيلي وجماعات المستوطنين التي تتجاوز القانون، وكلاهما يعمل دون عقاب في جميع أنحاء الضفة الغربية. وهذا يقودني إلى التقرير الثاني – القائمة الأسبوعية لانتهاكات حقوق الإنسان التي جمعها موقع «موندويس» الأميركي. فبينما يتم ذكر هذا السلوكيات الإسرائيلية من حين لآخر فقط في الصحافة، فإن رؤيتها مجمعة بالكامل كل أسبوع تقدم صورة مرعبة للحياة في ظل الحكم العسكري الإسرائيلي.
وقد شهد هذا الأسبوع، الذي يصادف الاحتفال بالأعياد اليهودية، عدداً من الحوادث المرتبطة مباشرة بالإجراءات العدائية التي يتم اتخاذها للسماح للإسرائيليين بزيارة الأماكن المقدسة في الضفة الغربية. على سبيل المثال، في 17 أكتوبر، دخلت حافلات محملة بالمستوطنين الإسرائيليين، يصاحبها أفراد من الجيش الإسرائيلي، نابلس دون تصريح من أجل الصلاة في الموقع الذي يعتقد اليهود أنه مكان دفن النبي يوسف. ونظراً لأن نابلس تقع داخل (المنطقة أ)، فمن المفترض أنها تخضع للسيطرة الكاملة للسلطة الفلسطينية. وبينما تجمع الفلسطينيون للاحتجاج على هذا التوغل، أطلق الجنود الإسرائيليون النار عليهم، وأصيب أربعة منهم بالذخيرة الحية، وأصيب 17 آخرون بالرصاص المطاطي، بالإضافة إلى إصابة 34 بالاختناق بسبب استنشاق الدخان.
واستغلت قوات الاحتلال الإسرائيلي الأيام المقدسة لإغلاق مسجد إبراهيم في الخليل لمدة يومين، ما أتاح للمصلين اليهود الوصول بشكل كامل إلى المسجد. كما أغلقوا العديد من الطرق الرئيسية في الضفة الغربية للسماح للمستوطنين بالسفر بحرية وإقامة «سباق ماراثون للمستوطنين».
وخلال هذه الفترة نفسها، قام الجيش الإسرائيلي بغزو 14 قرية فلسطينية على الأقل، وأصاب تسعة شبان بالرصاص واعتقل أكثر من أربعين. وأدت هذه الغارات إلى أضرار جسيمة في الممتلكات.
والواقع المستمر للحياة اليومية في الضفة الغربية هو هجمات المستوطنين على الفلسطينيين الذين يزرعون أراضيهم الواقعة بالقرب من المستوطنات الإسرائيلية. وفي الأسبوع الماضي، قام المستوطنون في قرية بورين باقتلاع أشجار الزيتون وإشعال النيران في مئات الأفدنة من الأراضي الزراعية، بالإضافة إلى ضرب الفلسطينيين وكذلك المتطوعين الإسرائيليين الذين جاءوا للمساعدة وحماية الفلسطينيين في بورين، أثناء موسم الحصاد.
ولم تحدث هجمات المستوطنين في القرى فحسب، بل على الطرقات أيضاً، لمضايقة الفلسطينيين وهم في طريقهم إلى العمل.
ما ورد أعلاه هو مجرد مقتطفات من العديد من الأمثلة على إساءة المعاملة التي واجهها الفلسطينيون خلال الأسبوع الذي شمله التقرير. وأكثر ما يقلق بشأن كل هذه الفظائع، هو قلة التغطية التي تحظى بها هذه الحوادث ليس فقط في الصحافة الأميركية، بل أيضاً في صحافة العالم العربي. ومع هيمنة الأحداث في لبنان والعراق وسوريا واليمن على الأخبار، احتلت محنة الفلسطينيين مرتبة متأخرة. وعندما لا تحظى الأخبار المتعلقة بالصراع الإسرائيلي –الفلسطيني بتغطية على الإطلاق، فإن هذه تكون مدفوعة بالدراما الممتدة للنظام السياسي المختل في إسرائيل.
ومن المؤكد أن السبب في ذلك هو التعب من محنة الفلسطينيين المستمرة منذ قرن من الزمان. ورغم أن كل هذا قد يكون صحيحاً، من الضروري عدم نسيان الشعب الفلسطيني.
*رئيس المعهد العربي الأميركي بواشنطن