يعتبر مقتل أبوبكر البغدادي في شمال غرب سوريا على أيدي وحدات قوة «دلتا» الأميركية الخاصة، انتصاراً كبيراً في الحرب ضد الإرهاب المتطرف ونموذجاً لعملية مشتركة خطيرة ومحكمة التخطيط. غير أنه من غير المعروف ما إن كان هذا الانتصار سيلمّع صورة الرئيس ترامب المتضررة بسبب سياسته الشرق أوسطية. فعلى المدى القصير، لا شك أن تصفية البغدادي ستشكّل ضربة كبيرة لفلول تنظيم «داعش» الإرهابي الذين ما زالوا يختبئون في سوريا والعراق. وقد يحاول بعض أنصار التنظيم اليائسين تنفيذ أعمال انتقامية ضد أهداف أميركية ومحلية، لكن إلى أن تظهر زعامة جديدة لـ«داعش»، فإن المنطقة قد تنعم بالهدوء وترتاح من الإرهاب لبعض الوقت. وفي الأثناء، سيستمر ترامب في تأكيد أهمية ما قام به، لإقناع الأميركيين بأنها كانت أعظم من عملية أوباما الناجحة التي قتلت ابن لادن في مايو 2011.
غير أن ترامب يواجه بعض التحديات الصعبة في أعقاب هذه المهمة الناجحة. فأولا، ومثلما اعترف هو نفسه بذلك، فإن العملية اعتمدت على تعاون وثيق بين قوات الجيش وأجهزة الاستخبارات الأميركية، والحلفاء المحليين، خاصة الأكراد السوريين الذين عملوا مع عضو من الدائرة الداخلية للبغدادي أصابه الاستياء من «داعش» وقيادته. كما تطلبت المهمة إشعار كل من روسيا وتركيا والعراق وسوريا، نظراً لأن طائرات الهليكوبتر الأميركية كانت تحلق فوق مجال جوي تسيطر عليه هذه البلدان.
الرسالة بالنسبة لترامب واضحة: إن عمليات محاربة الإرهاب المهمة في الشرق الأوسط، أو أي مناطق أخرى، تعتمد على تفوق أجهزة الاستخبارات الأميركية والتكنولوجيا الجديدة التي تقوم بتطويرها من أجل شن شكل جديد من الحرب. والحال أن ترامب ما انفك يهاجم هؤلاء الموظفين الاستخباراتيين أنفسهم منذ أن وصل إلى السلطة. ولعل الحلقة الأكثر دراماتيكية في هذا الصدد كانت تلك التي قال فيها علانية، خلال لقاء قمة جمعه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هلسينكي في يوليو 2018، إنه عندما يتعلق الأمر بالتدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، فإنه يصدق بوتين وليس وكالة الاستخبارات المركزية (الـ«سي آي إيه»)، ومكتب التحقيقات الفدرالي (الـ«إف بي آي»)، ووكالة الأمن القومي (الـ«ان اس ايه»)، ومصادر أميركية أخرى مثل مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون.
موقف ترامب من العمليات الاستخباراتية كان واضحاً نهاية الأسبوع الماضي عندما نُفذ الهجوم على البغدادي. فالإجراء المعتاد والمتعارف عليه عندما يتم التخطيط لعملية عسكرية حساسة أو تنفيذها، هو إطلاع زعيمي الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونجرس الأميركي. لكن في هذه المرة اكتفى ترامب بإخبار عضوين جمهوريين في مجلس الشيوخ بالعملية ورفض إبلاغ الرئيسة الديمقراطية لمجلس النواب نانسي بيلوسي بذلك، بدعوى أنه لا يمكن الوثوق في أنها وفريقها لن يقوموا بتسريب تفاصيل العملية التي كان يمكن أن يتعرّض المشاركون فيها للخطر. رد الفعل الديمقراطي كان قوياً: فبيلوسي هي الثانية في خط المؤهلين دستورياً لتولي رئاسة البلاد في حال وفاة الرئيس أو إصابته بعجز خطير. كما أنها كانت على مدى سنوات عضواً في لجنة الاستخبارات بمجلس النواب، ولم تُتهم أبداً بالتسريب من قبل.
بيد أن الأكثر إزعاجاً لترامب هو حقيقة أن التحالفات مع الأصدقاء تُعد أساسية وبالغة الأهمية، فالولايات المتحدة لم تستطع إنجاز المهمة ضد البغدادي إلا لأنها ما زالت تُبقي على عدد من القوات الخاصة في المنطقة، وخاصة في العراق، وتتلقى المساعدة في مهماتها من الاستخبارات العراقية والقوات الكردية في سوريا. غير أن ترامب تخلى عن الأكراد السوريين وتركهم فريسة لتطلعات تركيا وروسيا، وقد يُطلب منه في النهاية سحب كل الجنود الأميركيين من العراق.
وعاجلا أم آجلا، قد يظهر من يحل محل البغدادي، كما ستظهر رغبة في القيام بأعمال إرهابية ضد الولايات المتحدة وبلدان غربية أخرى وشرق أوسطية. لهذا، فإن واشنطن بحاجة إلى سياسة حكيمة لمعالجة هذا التهديد، كما أنها بحاجة للتعاون مع بلدان ومجموعات لم يفعل ترامب شيئاً من أجل دعمها، بل عاملها، كما في حالة الأكراد، على نحو أثار إنزعاجها.
*مدير البرامج الاستراتيجية في «مركز ناشيونال انترست»- واشنطن