تولي دولة الإمارات العربية المتحدة، الفقهَ الإسلامي اهتماماً كبيراً، انطلاقاً من الأهمية الخاصة التي توليها الدولة لقضية تجديد الخطاب الديني بشكل عام، من أجل عصرنة هذا الخطاب، وتطويره على نحو يبرز القيم السمحة لديننا الإسلامي الحنيف، وقدرة الإسلام على تقديم الحلول لكل المشكلات التي تواجهها المجتمعات المعاصرة. وفي هذا السياق، استضافت دبي فعاليات الدورة الـ24 من مؤتمر ومجمع الفقه الإسلامي الدولي، وذلك خلال الفترة بين يومي الـ4 والـ6 من نوفمبر الحالي، وهو الذي نظمته دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي، وقد تزامنت فترة هذه الفعاليات مع اليوبيل الذهبي لإنشاء منظمة التعاون الإسلامي، وبعد مرور 14 عاماً على انعقاد الدورة الـ16 للمجمع في دبي.
ومما لا شك فيه أن استضافة دبي لهذا الحدث الكبير، تعكس اهتمام القيادة الرشيدة لدولة الإمارات العربية المتحدة بالعلم والعلماء ورعايتها لهذه الأنشطة العلمية المباركة. وقد استمد المؤتمر أهميته من الحاجة الماسة خلال المرحلة الحالية لبحث قضايا ومسائل فقهية مهمة تستشرف المستقبل وتعالج الحاضر من قِبل خيرة علماء الأمة والفقهاء المتخصصين في القضايا المطروحة لما لذلك من نفع للمسلمين ببيان الأحكام الشرعية المعاصرة.
وقد تميز المؤتمر بحضور واسع، وهو ما عكس أهميته الخاصة، حيث شارك في فعالياته 137 مشاركاً منهم 37 من أعضاء المجمع المنتدبين و10 مشاركين من الأعضاء المعنيين و50 مشاركاً من الخبراء و8 مشاركات من الخبيرات، إلى جانب 30 مشاركة لكبار الشخصيات، إضافة إلى الأساتذة والمختصين والطلاب من ذوي الاختصاص. وقد حضر المؤتمر معالي سلطان بن سعيد المنصوري وزير الاقتصاد رئيس مجلس إدارة مركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي، وسعادة الدكتور حمد بن الشيخ أحمد الشيباني مدير عام دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي. كما حضر المؤتمر معالي الأستاذ الدكتور عبدالسلام داود العبادي أمين عام مجمع الفقه الإسلامي الدولي، ومعالي الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد رئيس مجمع الفقه الإسلامي الدولي، ومعالي الدكتور يوسف العثيمين الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، وإلى جانب نخبة من العلماء والباحثين وقادة الرأي والفكر والخبراء من العالمين العربي والإسلامي.
وقد ناقش المؤتمر حزمة من الموضوعات بالغة الأهمية، التي تواكب تطورات المرحلة الراهنة، ومنها موضوع العقود الذكية وكيفية تفعيلها ومدى ارتباطها بموضوع العملة الرقمية، وموضوع التضخم وتغيير قيمة العملة، وموضوع عقود الفيديك (وهي العقود المتعلقة بهندسة البناء والتطوير العقاري والصناعي من مرحلة التخطيط إلى استكمال المشروعات)، وموضع التسامح في الإسلام وضرورته المجتمعية والدولية وآثاره، وموضوع تحقيق الأمن الغذائي والمائي، وأهم المشكلات التي تواجهها الدول الإسلامية، وآثارها في التحديات المستقبلية للأمة الإسلامية، وموضوع الجينوم البشري والهندسة الحيوية المستقبلية.
وفي الواقع، فإن المؤتمر مثّل فرصة مهمة لتعزيز العلم الشرعي فيما يتعلق بحزمة من القضايا المعاصرة التي تحظى بأهمية كبيرة للغاية، وأكد الدور المهم الذي يقوم به مجمع الفقه الإسلامي الدولي بخصوص هذه القضايا معتمداً على كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، سالكاً في سبيل تحقيق ذلك مسلك الاعتدال والوسطية وتحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية السمحاء، بعيداً عن الرؤى المتشددة والتصورات الجامدة، وهو ما يتسق مع الدور الذي يقوم به المجمع باعتباره أهم الأجهزة المتفرعة لمنظمة التعاون الإسلامي، والذي يضطلع بدور حيوي في توحيد المسلمين عبر تقريب مقارباتهم الفقهية والفكرية، حيث إن المجمع كان قد تأسس في ضوء الحاجة الملحة إلى توحيد جهود المسلمين في مسائل الاجتهاد والفتوى لحماية المجتمعات المسلمة من التطرف والتشتت، وترسيخ قيم التسامح والاعتدال والوسطية.
*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.