سلك رودي جولياني، المحامي الخاص للرئيس ترامب، قنوات خلفية في السياسة الخارجية بشأن أوكرانيا، بعيداً عن العمليات المعتادة للدبلوماسية الأميركية. واشترك في إبداء هذه النقطة كثيرون من الشهود أمام تحقيق مجلس النواب بشأن توجيه الاتهام لترامب، وفقاً للنصوص التي نُشرت في الأيام القليلة الماضية. وعلى سبيل المثال، جاء في شهادة جوردون سوندلاند، السفير الأميركي لدى الاتحاد الأوروبي، يوم 17 أكتوبر الماضي، أنه «كان من الواضح لنا جميعاً بأن جولياني هو مفتاح تغيير رأي الرئيس بشأن أوكرانيا». وهذا في هيكله الأساسي له سوابق. فقد استخدم رؤساء كثيرون المعاونين المقربين والأصدقاء وآخرين لمعالجة مهمات دولية حيوية، خاصة في الأوقات الصعبة.
وكان لبعض هؤلاء المبعوثين أدوار رسمية. فقد كان الرئيس ريتشارد نيكسون يقرب إليه مستشار الأمن القومي هنري كسينجر واستخدمه خلال مفاوضات في القنوات الخلفية بشأن العلاقات مع الصين ومع السوفييت بعيداً عن خبراء وزارة الخارجية. وكان هناك آخرون لهم مواقع مرنة وغير رسمية مثل جولياني. فقد اعتمد الرئيس وودرو ويلسون بشدة على إداورد هاوس، المعروف باسم الكولونيل هاوس، وهو سياسي من تكساس ومؤيد لويلسون في وقت مبكر، لاستشارته في المسائل السياسية والخارجية. وقبل الحرب العالمية الأولى، أرسل ويلسون السيد هاوس إلى أوروبا في محاولة لتهدئة الأجواء وتفادي القتال. وبعد انتهاء الحرب، أُرسل هاوس سريعاً إلى أوروبا كي يساهم في وضع شروط الهدنة. ونُقل عن ويلسون قوله لهاوس: «لم أعطك تعليمات لأنني أشعر بأنك ستعرف ما ستفعل».
وكان الرئيس فرانكلين روزفيلت أكثر اعتماداً على هاري هوبكنز، وهو مدير برنامج اجتماعي التقاه روزفيلت حين كان حاكماً لنيويورك. وشغل هوبكنز عدداً من المناصب الحكومية من بينها وزير التجارة. لكن بعد عام 1940، جادل البعض بأن دور هوبكنز كان يتمثل في ترديد آراء الرئيس والقيام بدور المبعوث غير الرسمي إلى زعماء دول الحلفاء. وأرسل روزفيلت هوبكنز إلى بريطانيا عام 1941 ليقيّم قدرتها على مقاومة هتلر. وحضر هوبكنز كل المؤتمرات الرئيسية في وقت الحرب، من القاهرة إلى يالطا في شبه جزيرة القرم. بل أقام في البيت الأبيض، وحين تزوج في عام 1942 أعطاه الرئيس، وكان أبرز شخصية في حفل الزفاف، جناحاً كبيراً في البيت الأبيض.
فما الرابط بين هذه الأمثلة؟ ربما يكون الرؤساء في هذه الأمثلة قد تميزوا بما وصفه الصحفي والمؤرخ جوزيف ليليفيلد في كتابه عن الشهور الأخيرة من رئاسة روزفيلت بأنه «أسلوب شخصي للغاية في صناعة السياسة». فقد كتب ليليفيلد أن ويلسون وروزفيلت كلاهما عملا كوزير للخارجية في إدارة كل منهما، واعتمدا على معاونين محوريين يعملون خارج وحول القنوات البيروقراطية العادية. ويُعتقد أن الرئيس نيكسون تعامل مع كثير من قضايا السياسة الخارجية الأساسية بالطريقة نفسها.
وربما يضع المدافعون عن الرئيس ترامب سلوك جولياني القنوات الخلفية في هذا السياق. ويرون أن الرئيس لديه طريقته الخاصة في القيام بالمهام ولا يثق في البيروقراطية التي يعتبرها مليئة بالمعارضين من «الدولة العميقة». ويحتجون بأن جولياني طبق فحسب الأولويات الرئاسية التي لا يوافق عليها الدبلوماسيون المخضرمون في وزارة الخارجية. لكن منتقدين يرون أن التناظر التاريخي غير متطابق وأن مثال أوكرانيا لا سابقة له. والأمر لا يتعلق بوجود قناة خاصة، بل يتعلق بما استُخدم عبر هذه القناة.
ويرى جيمس جولدجير، الأستاذ بمدرسة الخدمة الدولية في الجامعة الأميركية في واشنطن والزميل الزائر في معهد بروكينجز، أن جولياني، مثله مثل هوبكنز، لم يكن لديه منصب رسمي في البيت الأبيض، لكنه يحظى بثقة الرئيس. بيد أن جولدجير كتب في رسالة بالبريد الإلكتروني يقول: «الفرق هو أن روزفيلت استخدم هوبكنز لتحقيق المصالح القومية للبلاد أثناء الحرب العالمية الثانية، بينما استخدم ترامب جولياني ليس لمصلحة أميركا بل لمكسب سياسي شخصي، ودعا إلى التدخل الأجنبي في الانتخابات الرئاسية الأميركية». ومضى جولدجير يقول إنه من المثير للسخرية أن الدبلوماسية المعتادة هي التي فضحت انتهاكات جولياني. فقد تصرف كوكبة من الدبلوماسيين المحنكين ومحللي السياسة الخارجية كما يفعلون عادة، أي القيام بعمليات التسجيل والاتصال بالزملاء وتقديم الشهادة في نهاية المطاف للكونجرس رغم اعتراضات البيت الأبيض.

*صحفي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»