نظم مركز الإمارات للدراسات مؤخراً مؤتمره السنوي العاشر للتعليم، تحت عنوان: «التعليم ووظائف المستقبل..»؛ حيث تضمن عدة محاور من بينها وظائف المستقبل بين الطموحات والتحديات، والتعليم العالي واستشراف المستقبل، وتجارب دولية ناجحة في مجال التعليم.
وركز المؤتمر هذا العام، على واحدة من القضايا الحيوية التي باتت تستحوذ على اهتمام جميع دول العالم في الآونة الأخيرة، وهي قضية التعليم ووظائف المستقبل في ظل التحولات المتسارعة وغير المسبوقة التي أفرزتها الثورة الصناعية الرابعة وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وهي التي تثير بدورها العديد من التساؤلات حول مستقبل منظومة التعليم وعلاقتها بوظائف المستقبل، وخاصة في ظل الدراسات التي تتوقع أن تحلّ الروبوتات والأجهزة الذكية مكان الإنسان في الكثير من مجالات الحياة والوظائف في السنوات المقبلة.
وأصدر المؤتمر في ختام أعماله توصيات عدة منها مواصلة جهود تطوير القوى العاملة الوطنية وتعزيزها بشكل مستمر، وبما يتناسب مع التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم ولاسيما في مجالات الاقتصاد المعرفي والثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي. كما أوصى بتطوير البرامج والمناهج الدراسية اللازمة لتأهيل الكوادر البشرية القادرة على التعامل مع تقنيات الثورة الصناعية الرابعة بطرق أخلاقية ومستدامة وإجراء دراسات معمقة حول تغيرات أسواق العمل وتوجهاتها المستقبلية. وأكد أهمية تأهيل المعلمين والأكاديميين والتأكد من امتلاكهم القدرات المعرفية والمهارات التي تساعدهم على نقل المعارف والمهارات الحديثة إلى الطلبة والاهتمام بالجوانب الاجتماعية والثقافية والسياسية التي تصاحب عملية التغيير التكنولوجي وتذليل أي عقبات أو تحديات ترتبط بهذه الجوانب يمكن أن تؤثر سلبا في العملية التعليمية.
وأوصى المؤتمر كذلك بالعمل على بناء شراكات أكاديمية وتعليمية فاعلة مع المؤسسات والهيئات التعليمية والأكاديمية المتميزة في مجالات دمج التعليم والتكنولوجيا في نظم التعليم على المستوى العالمي.
ويقيني أن تنمية المهارات والعلم والبحث والتنمية والابتكار هي المفتاح الذي يسمح لدولنا العربية، بفرص ربح معركة التنافسية، وبالتالي معركة العولمة. ويتطلب التحدي من هذا النوع اعتماد نظام تعليمي قوي وذي جودة، كما يتطلب رؤية واضحة في مجال التنمية التكنولوجية، وهذا هو الأساس لتحقيق الرفع من مستوى التنمية في الوطن العربي. ولقد نجحت في السنوات الأخيرة سنغافورة والعديد من المدن والجامعات الآسيوية في تطوير البحث العلمي والتكنولوجي، حيث مكنتها من تحقيق المستحيل وبموارد قليلة جداً مثل اليابان اللهم ما تعلق بالموارد البشرية وهو ما نملكه نحن أيضاً.
وتظهر دراسة المشهد العلمي في السنوات الأخيرة اضطراباً لا مثيل له في تصنيف أحسن المدن في نشر العلم في العالم. وهكذا، فقد حسّنت كل من نانجين وشنغاي وساوباولو من رتبتها بنسبة 20، وسيول وتايبيه بنسبة 10 إلى 20 رتبة، هونج كونج وبكين بنسبة 5 إلى 10 رتبة، في حين تراجعت أو ظلت في مكانها كل من لندن وباريس ونيويورك وبوسطن وتورونتو وبرلين وموسكو.
وعندما نفهم جيدا هذا السياق التاريخي- الجغرافي، فيمكن لنا جميعا وبالأخص قادة الجامعات طرح السؤال الأساسي الذي يواجه كل جامعة تطمح للعالمية، ويتعلق الأمر بكيفية ضمان حضور فعال في الدائرة العالمية للمعارف، فمن دون هذا الحضور ستظل المعارف المنتجة محلية، وطنية أو جهوية، وستظل، بالتأكيد، هذه المعارف مفيدة في المكان الذي أنتجت فيه لكن نشرها سيظل محدودا.
وأتفق هنا تمام الاتفاق مع العالِم النمساوي «ريتي ك. شهيم» عندما يرى أن تطور الجامعة يكمن في استجابتها الفعالة، ودون تخوف من التحديات التي تطرحها كل من : العولمة والتدويل وتكتل التعليم العالي، وتقدم تقنيات المعلومات والاتصال وتسويق المعرفة.
فعلى جامعة القرن الحادي والعشرين أن تجيد كيف تُعرّف نفسها في الخارج، وكيف تقيم شراكات مع عالم الأعمال والجامعات الأجنبية، وعليها أيضاً أن تُسهل حركية الأساتذة والباحثين والطلاب، كما يجب على الثقافة التنظيمية أن تعكس هذا التدويل، وأن يكون قابلاً للتطبيق في جميع قطاعات الجامعة (الموارد البشرية، المناهج إلخ). فالتعليم العالي، يشمل هذا البعد المهم الذي يجب أخذه بعين الاعتبار. فهذا النوع من التعاون الهادف والبنّاء يدعو بالضرورة إلى إقامة شبكة جهوية تضمن الجودة والارتكاز على أنظمة الاعتماد والبحث والإبداع إضافة إلى الحكامة. فالتعاون يجب أن يكون متيناً في كل المنطقة، سواء أكان التعاون وطنياً، جهوياً أو دولياً.