قبل 16 عاماً، تم ترشيح محامي تجاري يدعى روبرت لايتهايزر ليمثل الولايات المتحدة في هيئة فض المنازعات التابعة لمنظمة التجارة العالمية التي تفصل في نزاعات تؤثر على تجارة بمليارات الدولارات كل عام. لكن أعضاء منظمة التجارة العالمية اختاروا مرشحاً آخر. والآن يجادل لايتهايزر، وهو الممثل التجاري الأميركي في واشنطن، بأن نظام تسوية المنازعات الذي كاد أن يصبح جزءاً منه ذات يوم، يحتاج إلى إصلاح كبير أو ربما يتعين تفكيكه أصلا. والضغط الذي يمارسه لايتهايزر وإدارة ترامب على المنظمة قد يوقف عمل جهة التحكيم التي مقرها جنيف.
وكانت إدارة ترامب قد هددت بعرقلة ميزانية المنظمة لعام 2020 وطرحت على الأعضاء اقتراحاً في الأيام القليلة الماضية يسمح لها باستمرار العمل، لكنه يمنع عمل هيئة فض المنازعات في المنظمة. وأعلنت الولايات المتحدة أنها ستدعم ميزانية المنظمة البالغة 197.3 مليون فرانك سويسري (ما يعادل 197.6 مليون دولار أميركي) لعام 2020 على شرط ألا يُصرف أكثر من 100 ألف فرانك لأعضاء هيئة فض المنازعات، أي بخفض يبلغ 87% من كامل الميزانية. وتجادل إدارة ترامب أن هيكل التعويضات في المنظمة يحفز أعضاء التحكيم في هيئة فض المنازعات، الذين يمكنهم الحصول على أكثر من 300 ألف فرانك في العام، على إطالة أمد التقاضي.
صحيح أن قرارات المنظمة تتخذ بالإجماع، لكن للولايات المتحدة تأثير كبير في شؤون التمويل، لأنها صاحبة نصيب الأسد في الدعم المالي مقارنة بأي دولة أخرى من الدول المساهمة في الميزانية السنوية. فقد أشارت بيانات المنظمة أن الولايات المتحدة دفعت 22.7 مليون فرانك سويسري في عام 2019. وإذا تمت الموافقة على المقترح، فإنه سيتفادى إغلاقاً محتملا للمنظمة في غرة يناير القادم. ويأتي اقتراح الميزانية بعد أن عرقلت الولايات المتحدة تعيينات جديدة في هيئة فض المنازعات التي لن تستطيع الحكم في قضايا جديدة الشهر المقبل، مما يعطل فعلياً أهم وظيفة لها.
وأعلنت واشنطن أن هيئة فض المنازعات، التي تؤكد أو تعدل أو تلغي أحكام منظمة التجارة العالمية، تجاوزت التفويض المخول لها ولذا فقد باتت تهدد السيادة الأميركية. وقد بلغت خطورة احتمال إغلاق المنظمة درجة جعلت المدير العام للمنظمة روبرتو ازيفيدو يبث رسالة في يوم الثالث عشر من شهر نوفمبر المنصرم إلى العاملين في المنظمة، البالغ عددهم 646 موظفاً، لكي يطمئنهم بشأن وظائفهم. ورغم تفاؤل ازيفيدو المعلن، فإن تقارير ذكرت أن مسؤولي المنظمة يفكرون في خطط طوارئ، بما في ذلك تقليص الميزانية لبعض الوظائف غير الأساسية لعمل المنظمة خلال النصف الأول من العام القادم (2020).
ولدى هيئة فض المنازعات فائض مالي يبلغ 48 مليون فرانك سويسري من الميزانية السابقة، مما قد يساعد على استمرار عملها حتى شهر أبريل القادم، إذا لم يتم إقرار مقترح الميزانية الأميركي. والمسعى لتعديل خفض ميزانية هيئة فض المنازعات يتزعمه لايتهايزر الذي يجادل بأن أعضاء الهيئة انحرفوا عن تفويضهم الأصلي، مما يسوغ العرقلة الحالية لتعيين أعضاء جدد. والهيئة التي تضم سبعة أعضاء أصلاً، تقلص عدد أعضائها بالفعل إلى ثلاثة، وهو الحد الأدنى المطلوب لإصدار قرار في قضية ما. وستتوقف الهيئة عن العمل بعد نهاية فترة ولاية عضوين من أعضائها في نهاية يوم العاشر من شهر ديسمبر الجاري.
وربما يكون تعطيل هيئة فض المنازعات مقبولاً لدى لايتهايزر الذي أعرب عن تفضيله لاستخدام سلاح تجارة محلي قوي، يتمثل في القسم 301 من قانون التجارة لعام 1974، والذي يقدم للولايات المتحدة طريقة أسرع وأكثر فعالية لفرض عقوبات على الدول الأخرى.
ولم يتوان أعضاء الهيئة عن التحرك، بل قدّم العشرات منهم، على مدار العامين الماضيين، مقترحات جوهرية لمعالجة نقاط اهتمام إدارة ترامب، لكن جميع مقترحاتهم قوبلت بالرفض. بل عينت الدول سفير نيوزيلندا في المنظمة ديفيد ووكر لاستكشاف وسائل تعالج شكاوى إدارة ترامب، لكن المسعى فشل في تخفيف حدة المخاوف الأميركية. وفي الوقت نفسه، هناك ضغط متزايد من أعضاء آخرين، بخلاف الولايات المتحدة الأميركية، لدعم قاعدة تسمح لأعضاء هيئة فض المنازعات السابقين بأن يواصلوا الفصل في القضايا التي كلّفوا بها حتى بعد انتهاء فترة ولايتهم. ورغم أن هذا قد يساعد هيئة فض المنازعات على أداء عملها لعام آخر أو نحو ذلك، فإن الخطة قد يحبطها توماس جراهام، وهو محام أميركي وآخر الأعضاء المتبقين من الهيئة، إذا نفذ تهديده بأن ينسحب في نهاية فترة ولايته يوم العاشر من ديسمبر الجاري.
ويواصل الاتحاد الأوروبي وكندا والنرويج مساعيهم لتوسيع المشاركة في نظام تحكيم منازعات بالوكالة يجادلون بأنه يكمل هيئة فض المنازعات في المنظمة، ليبت في أي نزاعات ثنائية في المستقبل بين هذه الدول. وانتقدت إدارة ترامب الاتحاد الأوروبي لإنشائه نظام تحكيم بديل بدلاً من معالجة نقاط الاهتمام الأميركية أولاً.
برايس باستشوك: صحفي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»