ما الذي ينبغي فعله بشأن المسؤولين الأميركيين الكبار الذين لم يقولوا الحقيقة بشأن الحرب في أفغانستان، فكانوا يدلون بتصريحات وردية كانوا يعلمون أنها غير صحيحة، ويخفون أدلة واضحة على أن الحرب أصبحت غير قابلة للفوز؟
هذه الخلاصات ظهرت ضمن سلسلة تحقيقات من ستة أجزاء لصحيفة «واشنطن بوست» حول حرب أفغانستان. وقد تطلب الأمر ثلاث سنوات، وثلاث دعاوى قضائية فيدرالية، لكي تحصل الصحيفة على ألفي صفحة من السجلات الداخلية حول حرب أفغانستان. وكشفت السلسلة – بتفاصيل مذهلة ومحزنة ومثيرة للغثيان – عن الإخفاقات والأكاذيب الكبيرة بشأن أطول نزاع مسلح في تاريخ الولايات المتحدة.
فقد حصدت الحرب في أفغانستان أرواح أكثر من 2300 جندي أميركي. وإضافة إلى ذلك، جُرح زهاء 21 ألف جندي، وأُهدرت قرابة 1 تريليون دولار على مهمة لبناء الدولة ما كان ينبغي إطلاقها أصلاً.
صناع سياسات أميركيون على أعلى المستويات كانوا وراء هذه الخسارة الكبيرة في الأرواح والأموال والشرف الوطني. فهل سيفلتون من المحاسبة مكتفين بعبارات من قبيل "عذراً لقد أخفقنا، وحظاً أفضل في المرة القادمة" – أي الموقف نفسه الذي ساد واشنطن الرسمية بعد إخفاقي فيتنام والعراق؟ أم أنه خلافا لما حدث في فيتنام والعراق، ستكون ثمة محاسبة عامة بخصوص ما حدث من إخفاق في حرب أفغانستان؟ الواقع أنه سبق لأميركا أن كانت في مثل هذا الموقف من قبل.
فصناع السياسات الأميركيون الذين كانوا وراء فيتنام والعراق لم تكن لديهم أي فكرة عما ورطوا أنفسهم فيه، ثم أصبحت كلتاهما حربين تخضع فيهما القيادة المدنية والعسكرية للرقابة الذاتية والقبول الأعمى لتفكير الجماعة. ومع مرور الوقت، أصبح لكلتيهما نصيبها من العجرفة والازدواجية والأكاذيب. والحال أن هذه أشياء كان يفترض أن تكون من ماض تركناه وراءنا.
حرب فيتنام كانت ستكون آخر المستنقعات، ولكنها لم تكن كذلك. فقد حرصت حرب العراق على ألا يكون ذلك. وبعدها أتت حرب أفغانستان التي بدأت قبل 18 عاماً ويبدو ألا نهاية لها.
اليوم، وعلى غرار ما حدث مع حربي فيتنام والعراق، ما زال الزعماء الأميركيون، الذين يجدون أن الأشياء تسير على نحو سيئ في أفغانستان، يرفضون الاعتراف بالحقيقة، مواصلين الادعاء بأن الحرب تمضي على ما يرام، وبأن الأمر كله يتعلق بمسألة إنهاء تدريجي للحرب وتسليم الأمور إلى طالبان وما يعتقد أنها حكومة في كابول. والحال أن هؤلاء الزعماء الأميركيين يعرفون أن لديهم جنوداً على الميدان يضحّى بهم من أجل مهمة لا يمكن تحقيقها، مثلما تُظهر السلسلة التي نشرتها «واشنطن بوست»، فهل سيُسمح لأولئك الزعماء بالإفلات من المحاسبة عن ذلك الادعاء؟
فكر في الأشياء التي تم تقديم تلك التضحيات من أجلها. فاليوم، فيتنام هي بلد شيوعي ماركسي-لينيني قائم على حكم الحزب الوحيد. والعراق في 2019 ليس هو البلد الذي كنا نحلم به في بداية غزو 2003، بل هو البلد الذي حلمت إيران بأن يكون جاراً لها. والمعلومات التي تكشف عنها الوثائق التي حصلت عليها «واشنطن بوست» واضحة وتقطع الشك باليقين.
فقبل عشر سنوات، وحتى هذا التاريخ تقريباً، أعلن الرئيس باراك أوباما، الذي كان واقفاً أمام تلاميذ عسكريين في أكاديمية «ويست بوينت»، عن استراتيجيته الجديدة بشأن أفغانستان، وأبرز عناوينها: الزيادة في عدد الجنود. ووعد بأنه في ظرف 18 شهراً سيصل إلى أفغانستان عشرات الآلاف من الجنود الأميركيين (بكلفة 34 مليار دولار)، وسيوقفون زخم «طالبان»، ويسرعون جاهزية قوات الأمن الأفغانية، ويجلبون الزراعة إلى حقول الخشخاش الأفغانية، ويحوّلون الوزارات والحكام والزعماء المحليين الأفغان إلى رموز لمناطق خالية من الفساد. وبعد تلك السنة ونصف السنة، «سيشرعون في العودة إلى الوطن».
حينها، كنت قد كتبتُ أن بعضاً منا قلق ويخشى أن أوباما، الزعيم الجديد غير التقليدي المفعم بالحماس والأفكار الجديدة، يبعث برسالة حرب إلى (المسؤولين في مراكز البحث والتفكير المعنيين بقضايا الأمن الوطني والمطالبين بالتصعيد، وإلى «الجمهوريين» الذين يطالبون بمنح الجنرالات ما يريدونه، وإلى المحافظين الذين يقولون إنه زعيم متردد لا ينجز شيئاً).
وكنت أخشى أن يكون قد تبنّى طرق هذه البلدة، من خلال التفكير بطريقة تقليدية تمليها المصالح القوية الساعية وراء المصلحة الذاتية واشنطن – وهو تطور قد يؤدي إلى «إساءة تقدير عسكري».
وذاك ما كان. ففي أكتوبر 2015، أي بعد ست سنوات، أعلن أوباما أن 9 آلاف و800 جندي سيبقون في أفغانستان خلال معظم 2016، مع بقاء 5 آلاف و55 في 2017. واليوم، هناك 12 ألف جندي في أفغانستان، وحقول الخشخاش آخذة في الازدهار، و«طالبان» تتفاوض مع إدارة ترامب حول استراتيجية خروج أميركية تحفظ ماء الوجه، وطبقة الأغنياء الحاكمة هي الأقوى.
لقد كذبوا بشأن حرب أفغانستان! فرسموا صوراً وردية على حقائق بشعة، وأخفوا أدلة واضحة على أن الحرب أصبحت «غير قابلة للفوز» في الوقت نفسه الذي تُسرق فيه أموال الضرائب الأميركية وتتساقط الجثث الأميركية على الأرض.
ولهذا، لا بد من محاسبة بعض «المسؤولين الأميركيين الكبار».
*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»