هناك حقب في التاريخ، مثل الخمسينيات، كان فيها الأشخاص الأكبر سناً هم من يحددون الشروط الثقافية والأخلاقية للشباب. وهناك حقب، مثل الستينيات، حدث فيها العكس. العقد الحالي يقع ضمن الفئة الأخيرة. بدايته الحقيقية كانت في 17 ديسمبر 2010، عندما أقدم محمد البوعزيزي، وهو بائع متجول عمره 26 عاماً في تونس، على إضرام النار في جسمه، مشعلاً بذلك احتجاجات سرعان ما أطاحت بحكومات عبر المنطقة. والآن يشارف العقد على نهايته مع الناشطة السويدية «جريتا ثانبرج»، وهي ناشطة تدافع عن المناخ في السادسة عشرة من عمرها، والتي اختارتها مجلة «تايم» شخصية العام.
وبين البوعزيزي وثانبرج، تأثر العقد الحالي بابتكارات الشباب التكنولوجية، على شكل وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات المتحركة، وبالهجرات الجماعية للشباب، من أفريقيا والشرق الأوسط إلى أوروبا ومن أميركا اللاتينية إلى الولايات المتحدة، وبأمراض الشباب (في الغالب)، وخاصة الإدمان والأمراض العقلية، وبالقناعات الأخلاقية للشباب، من حركتي #أنا_أيضاً و«الأرواح السوداء مهمة» في الولايات المتحدة إلى المظاهرات الجماعية في مناطق مختلفة.
ولكن، لماذا وكيف هيمن الشباب على هذا العقد؟ لنضيق التركيز على أميركا.
ولنبدأ بالديمغرافيا أولاً. ففي الولايات المتحدة، تزامن ما يفكر فيه التاريخ عادة باعتباره «الستينيات» مع نضج أبناء «جيل طفرة الولادات» (أولئك الذين ولدوا عقب الحرب العالمية الثانية وخاصة بين 1946 و1964)، ويبلغ عدد المنتمين إليه نحو 75 مليون شخص تقريباً. وبالمقابل، يتزامن عقدنا الحالي مع نضج أبناء جيل الألفية، وهو جيل آخر يضم نحو 80 مليون شخص. أشخاص أكثر، سلطة أكثر- أو على الأقل نفوذ أكثر.
ثم هناك الغضب. التاريخ هو في أحيان كثيرة عبارة عن سلسلة من ردود الأفعال وردود أفعال مضادة. وهذا العقد أيضاً، هو عبارة عن رد فعل على العقد الذي قبله: رد فعل على حربين بدأتا بحماس أخلاقي وانتهتا بإخفاقات استراتيجية، وعلى أزمة مالية ضحاياها بالملايين ولم يتحمل أحد المسؤولية عنها.
وعلى نحو غير مفاجئ، تميز هذا العقد بعداء شديد من قبل الشباب للبديهيات التي حكمت تفكيرنا في الماضي. فوفق هؤلاء الشباب، فإن النظام الدولي الليبرالي لم يحافظ على السلام - بل استنزف كل مواردنا. والرأسمالية لم تجعل البلد غنياً- وإنما جعلت الأغنياء أغنى. ومنطقة «السيليكون فالي» لم تبتكر- وإنما خزنت بياناتنا. والشرطة لم تخدم المجتمع ولم تحمه- وإنما قامت بالاستهداف العرقي والقتل. ووسائل الإعلام لم تقل الأخبار- وإنما حرّفتها.
هذا العداء لا يظهر على اليسار التقدمي فقط، ولكنه يفسر أيضاً صعود «اليمين الشعبوي». أما بالنسبة للتكنولوجيا، فإن الشباب لم يبتكر وسائل التواصل الاجتماعي ويؤثر فيها فحسب، بل إن وسائل التواصل الاجتماعي هي التي أثّرت في الشباب وأعادت ابتكاره. فكان هذا العقدَ الذي نجحت فيه الخواريزميات التي تهدف إلى إرضاء أذواقنا في تضييق تلك الأذواق، وأدى فيه خلق مجموعات على الإنترنت إلى بلقنتنا وتقسيمنا إلى قبائل وإشاعة المعلومات المغلوطة والكراهية، وعمّق فيه الاتصالُ الرقمي عزلتَنا الشخصية وهشاشتنا، وكان انتشار الشاشات المحمولة فيه مع بيانات لا حدود لها، يعني أن ثمة دائماً شيئاً أكثر إثارة للاهتمام يمكن فعله من التفاعل مع الشخص الذي أمامنا.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»