بمجرد أن أنهى الجيش الأميركي عاماً قام خلاله بشن ضربات على مقاتلي حركة «الشباب» الإرهابية أكثر من أي وقت مضى، وبمعدل يزيد على غارة جوية في الأسبوع، قامت الجماعة الصومالية المتشددة بتنفيذ أكثر هجماتها وقاحة وعنفاً ضد القوات الأميركية، لتقتل جندياً واثنين من المقاولين، ولتدمر ست طائرات في قاعدة عسكرية في كينيا. ومثّل هذا دلالة رمزية للجهود الكبيرة التي بذلتها أميركا ضد حركة الشباب، منذ أن قامت إدارة ترامب بتخفيف قواعد الاشتباك في الصومال في مارس 2017، مما أدى إلى استخدام أكثر كثافة للغارات الجوية، فشنت الجماعة ما يقرب من 900 هجوم ضد المدنيين، ناهيك عن مئات الهجمات ضد القوات المسلحة الأميركية والصومالية والكينية.
وقال مسؤول صومالي سابق شارك في مناقشات مع مسؤولي البنتاجون أثناء تفكيرهم في تغيير قواعد الاشتباك عام 2017، إن «معدل هجمات حركة الشباب، على الأقل ضد المدنيين، أعلى الآن من ذي قبل». وربما قتل حوالي 2000 مدني صومالي على يد الحركة الشباب منذ ذلك التغيير، وفقاً لمشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثها، وهي مجموعة أبحاث غير ربحية تجمع تقارير عن العنف.
ويذكر أن «الشباب» ليست في أقوى حالاتها، فقبل تدخل قوة قوامها 20,000 جندي من الاتحاد الأفريقي، وقبل أن تكثف الأمم المتحدة غاراتها الجوية، كانت الحركة تسيطر على مدينة «كال» في جنوب الصومال، وكانت على وشك الاستيلاء على مقديشو. ولا تزال الحركة لديها نفس الهدف: استهداف القوات الأجنبية في الصومال، أو على الأقل الصمود أمامها، مما يفسح الطريق لسيطرة أوسع نطاقاً تمكّن الحركة من فرض نهجها الديني المتشدد.
وفي السنوات القليلة الماضية، أثبتت الجماعة مراراً وتكراراً قدرتها على صنع متفجرات قوية وزعزعة استقرار الحكومة الصومالية غير المتمرسة. ومنذ نشأتها في عام 2006، نفذت الحركة أكثر من 10,000 هجوم في الصومال ونحو 300 في كينيا. وفي الأسابيع الستة الماضية فقط، قُتل أكثر من 20 شخصاً على يدها في كينيا.
وقال «كين مينخوس»، وهو باحث صومالي أدلى بشهادته عدة مرات أمام الكونجرس الأميركي: «تمكنت حركة الشباب من اختراق الحكومات والمؤسسات المحلية بالكامل، فهي لديها شبكة قوية من المخبرين والنشطاء، وتقوم بانتزاع الضرائب من جميع المواطنين الصوماليين، وتزرع الخوف من الاغتيال في أي شخص يفكر في معارضتها».
وقد تغيرت تكتيكات «الشباب» بشكل طفيف منذ مارس 2017، عندما تم تغيير قواعد الاشتباك. ففي السنوات الماضية، يمكن تصنيف نحو 70% من هجمات «الشباب» على أنها «معارك» مع القوات المسلحة المتحالفة مع الحكومة. وفي السنوات التي تلت ذلك، انخفض هذا العدد إلى حوالي النصف، مع ارتفاع ملحوظ في استخدام القنابل التي تستهدف عادةً المدنيين، وفقاً لمشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثها.
وبالنسبة لبعض المراقبين، يشير التحول إلى سرعة التكيف التي لن تكون الغارات الجوية قادرة على التصدي لها. وبدلا من ذلك، جعلت الجيش الأميركي موضع تساؤل من الجمهور الصومالي الذي يشعر بوطأة هجمات «الشباب».
«من خلال استراتيجية (اقتل أكبر عدد ممكن) أصبح من الصعب تجنب الأضرار والخسائر المدنية، سواء بسبب الضربات الجوية نفسها أو لأنها تستفز الشباب»، بحسب ما قال المسؤول الصومالي السابق.
وكجزء من القوات الأميركية المتمركزة في جميع أنحاء شرق أفريقيا، يوجد 500 جندي على الأرض في عدد صغير من القواعد داخل الصومال. وإلى جانب التخطيط للغارات الجوية، فإن مهمتهم هي تدريب الجيش الصومالي للمساعدة في جمع المعلومات الاستخبارية، ومرافقة القوات الصومالية أحياناً في غارات برية.
ويتمركز حوالي 300 جندي أميركي ومقاول عسكري في كينيا لتعزيز المهام في الصومال. وكان هجوم «الشباب» في 5 يناير على مهبط طائرات تستخدمه تلك القوات الأميركية بمثابة نكسة كبيرة، بسبب الخسائر الأميركية وفقدان المعدات عالية القيمة وهروب بعض المهاجمين، وفقاً للعقيد «كريستوفر كارنز»، المتحدث باسم القيادة الأميركية في أفريقيا.
ولم يعلق البيت الأبيض علانية على مقتل الأميركيين الثلاثة في هذا الهجوم. لكن الجيش الأميركي كان صريحاً بشكل غير عادي في رده العام، والذي تضمن إرسال كبار ضباطه في شرق أفريقيا إلى القاعدة المجاورة للمهبط الجوي الذي تعرض للهجوم.

*مدير مكتب صحيفة «واشنطن بوست» في نيروبي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»