قررت حكومة الهند المضي قدماً نحو الاستثمار في «الاقتصاد الأزرق». ودشنت عدة برامج في هذا الاقتصاد بناء على توصيات اللجنة الاستشارية الاقتصادية لرئيس الوزراء ناريندرا مودي. وتعكف السلطات المعنية في الوقت الحاضر على وضع استراتيجية للترويج لهذا الاقتصاد في الهند.
ومصطلح «الاقتصاد الأزرق» يؤكد في المقام الأول على التنمية الاقتصادية المعتمدة على المحيطات لتحسين نوعية حياة الناس مع تحقيق التنمية الاجتماعية والبيئية الشاملة مع الحفاظ على الأمن البيئي. وهذا يعكس احتياجات الناس للنمو والازدهار في ظل تأثيرات تغير المناخ. وتدافع «أهداف التنمية المستدامة» عن الحفاظ على موارد المحيطات واستخدامها بشكل مستدام. والجدير بالذكر أن الأمم المتحدة وصفت العقد الحالي بأنه «عقد المحيطات».
وتسعى الهند أيضاً لأن تتأكد من أن لديها معلومات كافية عن قاع البحر والموارد المعدنية وموارد صيد الأسماك وحالة البحر في «المنطقة الاقتصادية الحصرية» للبلاد، وهي تغطي مساحة مليوني كيلومتر مربع. وبموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار يمكن توسيع الحقوق في قاع البحر إلى 350 ميلاً بحرياً خاصة في الجرف القاري للهند. وقدمت الهند بالفعل مطالبة بحقها في نحو 1.2 مليون كيلو متر مربع إلى لجنة الجرف القاري القانونية. ومن ثم، فمن المحتمل أن تزيد حقوق الهند في قاع البحر من مليوني إلى 3.2 مليون كيلومتر مربع في المستقبل القريب. والجهود متواصلة أيضاً لإجراء مسوحات جيولوجية وجيوفيزيائية مفصلة لتعزيز معرفة توافر الموارد المعدنية والطاقة.
وحالياً، يبلغ الإنتاج السنوي من الأسماك البحرية في الهند حوالي أربعة ملايين طن، بينما القدرة الإنتاجية المحتملة تُقدر بنحو 5.3 مليون طن. وتم التعرف على عدد من المناطق الجديدة للمصايد في أعماق البحار، وتبلغ التقديرات الأولية للإنتاج نحو 3.3 مليون طن. ونجحت تجارب على تربية الأسماك في أقفاص ومصايد أسماك الزينة، ويجري فحص تحديات تكنولوجية في الحصاد وما بعده وتطوير المنتجات من أجل مشروع تجاري ناجح لأنشطة صيد الأسماك في أعماق البحار وتربية الأحياء البحرية.
وإلى جانب رواسب المعادن على الساحل، تُبذل جهود للبحث عن المعادن في أعماق البحار. وأثبت التنقيب في المحيط الهندي العثور على احتياطيات تبلغ 380 مليون طن متري من «العُقيدات»، التي تحتوي على معادن استراتيجية مثل النحاس والنيكل وغيرها من المعادن الثمينة. وتوافر «هيدرات الغاز» في الجرف القاري من المحتمل إلى حد كبير أن يلبي متطلبات الطاقة المتزايدة في البلاد. ولذا، تقرر الاستثمار في تطوير التكنولوجيا والموارد البشرية لاستخدام هذه الثروات. وتقدر تقريباً قيمة جميع هذه الموارد بنحو 600 مليار دولار.
لكن هناك عدداً من التحديات أمام هذه الأنشطة التنموية جميعها مثل توافر المياه العذبة، وهي نادرة. وتحلية مياه البحر تعتبر حلاً جذاباً للغاية. لكن المحطات التي تعتمد على تقنية «التناضح العكسي» غير صديقة للبيئة. والساحل أيضاً مُعرّض لعدد من الأخطار مثل الأعاصير والعواصف والأمواج العاتية وتآكل الساحل وارتفاع مستوى سطح البحر وغيرها. ومن المقرر استخدام خرائط لرصد نقاط ضعف السواحل لفهم المخاطر التي تنطوي عليها. والمعلومات عن حالة البحر مهمة جداً أيضاً للأنشطة الاقتصادية مثل الشحن البحري وصيد الأسماك وإنتاج النفط والغاز، كما تم إعداد نماذج عددية للتنبؤ بالأمواج وتيارات المحيطات ودرجة حرارة سطح البحر وغيرها على أساس يومي. وتعمل الحكومة أيضاً على الحفاظ على النظم البيئية الساحلية أثناء تنفيذ أنشطة تنموية من خلال مراقبة منتظمة عبر الأقمار الاصطناعية.

وهناك الآن اتفاق آراء على أن قرارات الاقتصاد الكلي بشأن الاقتصاد الأزرق ستحتاج إلى بيانات بيئية. وفرص النمو الاقتصادي في المحيط بعد عام 2030 ستصبح محدودة ودون استثمارات كبيرة لدعم بيئات المحيطات. وفي الآونة الأخيرة، أعلنت الحكومة الهندية أيضاً عن «مهمة في أعماق البحار» من أجل اكتساب معرفة حول الموارد في المحيط الهندي. لكن لتنفيذ هذه المهمة، تتمثل المشكلة الرئيسية التي تواجهنا في أن نتائج علوم المحيطات لا يتم تخزينها في صيغ وأنظمة وهياكل يستطيع خبراء التمويل والاقتصاد أو غيرهم من صناع القرار فهمها أو الاستفادة منها. لذلك، هناك حاجة لتطوير إطار عمل يجمع مصادر بيانات مختلفة عن طريق تطوير نظام محاسبي للمحيطات.
ولحسن الحظ، فالحجم الكبير من البيانات العلمية للمحيط الهندي التي تم جمعها خلال الخمسين عاماً الماضية تم حفظها، لكن لم يتم دمجها بعد مع البيانات البيئية والاجتماعية والاقتصادية. وتعمل الهند أيضاً على تطوير إطار عمل محاسبي كجزء من استراتيجية الاقتصاد الأزرق. وسيساعد هذا التمرين في تعزيز «الأهمية المجتمعية» للمحيط. وهناك، بلا شك، حاجة ماسة لوضع إطار مؤسسي لتنفيذ الأنشطة المتعلقة بالاقتصاد الأزرق. ويتعين على البلاد الاستثمار في بناء البنية التحتية والموارد البشرية والمالية ونظام الحكم. وستأتي هذه الاستثمارات في المحيطات بعائدات كبيرة للأجيال المقبلة. لكن هناك حاجة في الوقت نفسه أيضاً إلى الالتزام باستدامة المحيطات لصالح البشرية.
* رئيس مركز الدراسات الإسلامية في نيودلهي.