«إن وسائل التواصل الاجتماعي هي وسائل للتنمية والمعرفة والابتكار، والاستخدام الإيجابي لها يمكن أن يحرك الشعوب نحو البناء ويحرك العقول والقلوب نحو الائتلاف»، تلك هي مقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، حول دور وسائل الاجتماعي وأهميتها في المجتمعات. وفي هذا السياق نجد سعادة الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، يتطرق إلى تلك الوسائل، بأسلوب علمي واستراتيجي، باعتبارها من أهم القضايا ذات التأثير على مجتمعات العالم في الأعوام الأخيرة وذلك من خلال كتابه «وسائل التواصل الاجتماعي ودورها في التحولات المستقبلية: من القبيلة إلى الفيسبوك».
ويتناول السويدي وسائل التواصل الاجتماعي من النشأة والأنواع والتطور والاستخدام وتأثيرها على المجتمعات في النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والأمنية حيث يطرح تساؤلات مهمة حول حدود الدور المتوقع لوسائل التواصل الاجتماعي وتأثيراتها المحتملة على الدول باختلاف موقعها الجغرافي وثقافتها ولغتها. ويؤكد الباحث على أن الأساس الذي قامت عليه وسائل التواصل الاجتماعي هو الربط الذي حدث بين تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من خلال انتشار التكنولوجيا الرقمية على النطاق العالمي ونجاحها في إرساء قواعد ثقافة إلكترونية عالمية تجاوزت حدود المكان والزمان.
وقد تجلت القدرات الإبداعية البحثية للأستاذ الدكتور جمال سند السويدي في الربط بين خصائص ومكونات القبيلة ومثيلتها في وسائل التواصل الاجتماعي وتحديداً موقع «فيسبوك». فالعصبيات المتعددة المكونة للقبيلة تتماثل مع منظومة التواصل الاجتماعي التي تنخرط فيها مجموعات متفرقة في المكان والزمان، ولكنها تتبنى توجهات ورؤى معينة وواحدة مما يُحولها إلى عصبية قائمة بذاتها وهي ما يطلق عليها السويدي «العصبيات الافتراضية»، والتي تتطور في مفهومه إلى مستوى «قبائل العالم الافتراضي» بما تحتويه من سمات اجتماعية مماثلة للقبيلة الفعلية من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ثم ينتقل الباحث لتناول أبرز الآثار الإيجابية والسلبية لوسائل التواصل الاجتماعي على الشعوب العربية. فمن جانب، ساهمت تلك الوسائل في نشر الوعي من خلال سرعة تداول المعلومات وسهولة التعارف والتواصل بين البشر، وقدرة الأفراد على طرح آراءهم وأفكارهم ومناقشتها بحرية، واستفادة بعض الأقليات في الوطن العربي من الفراغ الافتراضي من خلال إنشاء صفحات إلكترونية تعرض واقع تلك الأقليات ومطالبها، ثم صقل المعرفة وزيادة الثقافة ونشوء ونمو التجارة الإلكترونية وانتشار قنوات الاتصال والإعلام إلكترونيا. ومن جانب آخر، هناك الإدمان الإلكتروني مع تدني الإحساس بالوقت والمكان، وانتشار الجرائم الإلكترونية.
ويختم السويدي كتابه باستعراض التوقعات والمتغيرات المستقبلية حيث يؤكد استمرار سيطرة وسائل التواصل الاجتماعي على الساحة الإلكترونية باعتبارها أصبحت السلطة الخامسة إضافة إلى الطفرة المتوقعة في قوة معالجة الحواسيب والارتفاع المتنامي لاستخدام سكان الكرة الأرضية لتلك الوسائل. كما يتوقع الباحث سيطرة مفهوم «الهجرة الإلكترونية» التي ستسمح للدول المتقدمة الاستفادة من العمالة الماهرة في أي مكان في العالم دون الحاجة للتنقل مما سيؤدي لنشوء «المواطنة الافتراضية». وفي المقابل، يُنبه الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي إلى خطورة تصدر الجرائم الإلكترونية لائحة التهديدات الأمنية الاستراتيجية للدول نظراً للارتباط الوثيق لتلك الجرائم بوسائل التواصل الاجتماعي.
والمحصلة فإن كتاب «وسائل التواصل الاجتماعي ودورها في التحولات المستقبلية: من القبيلة إلى الفيسبوك» يُعتبر من أبرز الإصدارات العلمية في العقدين الأخيرين، والذي يتناول المشهد على الساحة الإلكترونية في ظل تنامي نفوذ وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيراتها المختلفة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وإعلامياً وأمنياً مما يضيء الطريق أمام الشباب العربي ويضع أمامهم حقيقة تلك الوسائل من دون تجميل ليدركوا فوائد ومخاطر تلك الوسائل عليهم وعلى مجتمعاتهم، الأمر الذي يحدونا لدعوة مؤسسات التعليم العالي في الدولة لإدراج ذلك الكتاب ضمن أبرز المصادر العلمية للطلبة الدارسين فيها.