بعد مقتل قاسم سليماني في العراق، اتخذ البرلمان العراقي قراراً -سمّاه البعض قانوناً- بضرورة خروج القوات الأميركية من العراق، ولها خمس قواعد عسكرية فيها. أما إيران فتحدثت عن خروج جماعي للأميركان من كامل المنطقة، وتقصد منطقة الخليج العربي. وقرار خروج الأميركان من العراق، علّق البعض عليه بالقول: إن البرلمان العراقي حينما اتخذ القرار لم يكن نصابه مكتملاً (= قاطع تلك الجلسة العرب السُنة والكرد) وعليه، فإن القرار من الناحية القانونية ليس سليماً. الحكومة العراقية الممثلة بشخص عادل عبد المهدي رئيس الوزراء، التي تبنّت هذا القرار كخيار لا يتوفر سواه، فهي الأخرى لا تمتلك الحق الدستوري بتنفيذ أي قرار أو قانون مهما كان مصدره، بسبب كونها حكومة تصريف أعمال، وعليه، وإذا ما كان بالوسع تنفيذ قرار كهذا، فستكون مهمته مناطة برئيس الوزراء الجديد الذي لم يعتمد اسمه رسمياً حتى اليوم. كما لم تتخذ السلطة الممثلة بشخص رئيس البلاد «برهم صالح» التسميّة التي تقدم بها المتظاهرون والمحتجون في الشارع، وهم ما زالوا مصرين على مطالبهم والأسماء التي تقدموا بها. وفي الوقت ذاته، لم يسعَ الرئيس «برهم صالح» نفسه إلى استخدام حقه الدستوري في تسمية مباشرة لرئيس وزراء مستقل من دون الرجوع إلى البرلمان أو أية جهة رسمية أخرى. أميركا التي تشهد داخلياً أكثر من حراك يطال الرئيس دونالد ترامب في شخصه، وتعاملاته الخارجية لا سيما إيران، صرح مسؤول عسكري رفيع أن أميركا لا تنوي الخروج الآن من العراق لأسباب عدّة من بينها، أن العراق يحتاج إلى مساعدتها التقنية والعسكرية في وجه الإرهاب المتمثل حالياً بـ(داعش)، وإن منطقة الشرق الأوسط حُبلى بالأحداث القائمة منها والمقبلة، وبالتالي فإن الوجود الأميركي ضروري في هذه الفترة. في المنطقة هنالك من يرى أن مسألة الوجود الأميركي، أقله بالنسبة له، أمرٌ ضروريّ، وله في ذلك أسبابه المختلفة. في إحدى التغريدات التي أدرجها المراقبون في قائمة (القفشات الترامبية) التي أعتاد الناس على سماعها عبر «تويتر» من سيد البيت الأبيض، جاء فيها: إن أرادونا نخرج من العراق فلا مشكلة، فقط عليهم أن يدفعوا لنا 3 تريليون دولار التي صرفت على العراق منذ عام 2003م.. وهي تغريدة لا تحتاج إلى كثير شرح. محللون كثر يرون أن مثل هذا الذي يجري بين العراق وإيران وأميركا في بُعديه اللفظي والإعلامي ما هو إلاّ مضيعة للوقت، فلا العراق يمتلك كامل سيادته في الوقت الراهن، ولديه الموجبات والقدرة لإخراج الأميركان من أرضه، ولا إيران في وضعها الراهن تستطيع عمل شيء في هذا المسعى، بل لا أحد في منطقة الشرق الأوسط بمقدوره إخراج الأميركان من العراق أو من المنطقة. ما يحكم علاقة أميركا بدول المنطقة العربية هو تفاهمات واتفاقيات معلّلة ومزمّنة قد جرى التوقيع عليها مع نصف دول الشرق الأوسط تقريباً (= أكثر من 9 دول عربية) إضافة إلى عدد من الدول الإقليمية كالهند وباكستان وأفغانستان وتركيا. في معمعة اللغط الإعلامي بين العراق وأميركا وإيران، يحاول العراق جاهداً الاحتفاظ بنفسه على الحياد، وألا يتحوّل إلى ساحة صراع بين قوى مختلفة.
في هذه المعمعة يلحظ المرء أن هنالك نجاحين متناقضين برزا في العراق والمنطقة: الأول، تظاهرات الشباب العراقي لم تتأثر، فرغم كل ما حدث في العراق والإقليم ظل المحتجون في الشارع والإعلام والسياسة، هم الأول والأبرز. الثاني - ومن أسف شديد - هو تنظيم «داعش» فرغم كل الانتصارات المعلنة عليه داخل العراق وخارجه، ها هو يعود برعبه جامعا فلوله وداخلاً في عمليات صغيرة خاطفة في بعض مناطق بلاد الرافدين خلال الأسابيع القليلة الماضية. ناهيك عن مئات الآلاف لدى الكرد في الشمال السوري الذين بُدأ بإطلاق سراح بعضهم.