التشكيل الجديد للحكومة الروسية، الذي أُعلن في الأيام القليلة الماضية، يوحي بتغيرات كبيرة في الطريقة التي يُدار بها الاقتصاد الذي يحتل المكانة الحادية عشرة في العالم، من حيث القيمة الاسمية للإنتاج المحلي الإجمالي. ويتوقع الرئيس فلاديمير بوتين أن يدعم جيل جديد من كبار المسؤولين- ممن صنعوا مشوارهم المهني برمته في القطاع العام أثناء فترة حكمه- النمو الاقتصادي مع طريقة جيدة من الرقابة الدقيقة والإنفاق الحكومي. لكن الواقع ربما يخيب قريباً، على الأرجح، هذه التوقعات.
والحكومات الروسية السابقة تضمنت عادة عدداً قليلاً من الاقتصاديين. والكفة في التشكيل الوزاري الجديد لرئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين، تميل نحو جيل جديد من الموظفين العموميين الذين أثبتوا كفاءة في إدارة مشروعات معقدة، ويظهرون مهارات تبدو كما لو أنها مهارات المديرين التنفيذيين للقطاع الخاص.
ومتوسط العمر في أعضاء حكومة ميشوستين يزيد قليلاً على 50 عاماً، مقارنة مع 53 عاماً في الوزارة السابقة لديميتري ميدفيدييف. وهناك ثلاثة وزراء جدد تقل أعمارهم عن 40 عاماً، ولم يكن هناك إلا وزير واحد في مثل هذه السن في وزارة ميدفيدييف. وقلة من هؤلاء الوزراء لديهم خبرة تحسب في القطاع الخاص. والإنجازات التي أدت إلى تعيينهم تعلقت بخدمتهم في الدولة، أو في الشركات التي تملكها الدولة. ولطالما كان الشباب الروسي يفضل التعيين في شركات الدولة والحكومة.
وفي استطلاع أجرته في الآونة الأخيرة شركة «ريكس» للتصنيف على الخريجين الروس الجدد، عبر 53.7% من الشباب الروسي عن رغبته في العمل في الشركات التي تسيطر عليها الدولة، و28.4% يريدون العمل في الحكومة. وكثيرون من الوزراء الجدد حققوا هذا الحلم في السنوات العشرين من حكم بوتين.
وكان «مارات خوسنولين»، نائب رئيس الوزراء، مسؤولاً عن انتعاش الإنشاءات بموسكو، في ظل قيادة رئيس البلدية سيرجي سوبيانين، بما في ذلك إنشاء 40 محطة جديدة لقطارات الإنفاق وعملية إعادة هيكلة للبنية التحتية للنقل العام في العاصمة. وكان دميتري تشيرنيشينكو، نائب رئيس الوزراء، أيضاً، يدير اللجنة المنظمة لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية عام 2014 في سوتشي. وماكسيم ريشيتنيكوف، وزير الاقتصاد، كان حاكماً إقليمياً لمنطقة «بيرم» في الأورال، ويعتبر في موسكو مديراً إقليمياً ناجحاً. وتحظى «أوليجا ليوبيموفا» وزيرة الثقافة بالاحترام، باعتبارها مديراً لبرنامج الوزارة لدعم صناعة السينما. ووزير التعليم «سيرجي كرافتسوف» كان مسؤولاً عن إدخال الاختبارات المعيارية في المدارس الروسية.
والوظيفة الرئيسية للحكومة الجديدة، من الواضح أنها تنفيذ ما يطلق عليه بوتين «المشروعات القومية» التي تقدر قيمتها بنحو 400 مليار دولار في البنية التحتية واستثمارات الخدمات الاجتماعية حتى 2024. وفي عام 2019، لم يتمكن المسؤولون عن تنفيذ هذه المشروعات من إحراز نتائج ملموسة أو إنفاق كل التمويل المتاح. لذا طُلب من ميشوستين، فيما يبدو، أن يؤلف فريق أحلام من كبار أصحاب الإنجازات الذين يحققون في النهاية رضا بوتين. والنائب الأول لرئيس الوزراء وهو أندريا بيلوسوف كان، حتى وقت قريب، مستشار بوتين الاقتصادي، وهو العقل المدبر لفكرة «المشروعات القومية».
لكن النمو البطيء لروسيا الذي بلغ 1.2% العام الماضي، ليس سببه تنفيذياً، بل الأمر يرجع في جانب كبير منه إلى فجوة بين المستثمرين الأثرياء في القطاع الخاص والعمال العاديين الواقعين في الفقر. وبتشكيل هذه الحكومة الجديدة في السنوات الأربعة الأخيرة من رئاسته، يراهن بوتين على المزيد من تخطيط الدولة والمزيد من ازدهار الاقتصاد الذي يمثل فيه النفط والغاز 6.5% من الإنتاج المحلي الإجمالي، نزولاً من 25% عام 2010 لتحقيق النمو، عبر عملية إعادة توزيع تقودها الحكومة.
وأعضاء الفريق الجديد صالحون لهذه المهمة، وربما يحققون بعض النتائج. لكن النتائج التي يعرفونها لا تتحول إلى ذاك النوع من الحيوية الذي لا يتحقق إلا بمبادرات القطاع الخاص، التي عادة ما تكون بلا قيود.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»