(إن هبّت رياحك فاغتنمها).. تحويل التحديات إلى فرص وإنجازات، واستشراف المستقبل والاستثمار فيه بأعلى المعايير والمستويات، هو ما تعمل عليه الإمارات بجدية وثقة. ولعل اتفاقية شراكتها الاستراتيجية مع منتدى دافوس الاقتصادي للأعوام الخمسة القادمة - والتي تم التوقيع عليها مؤخراً- تؤكد أنها تسعى إلى تعزيز مكانتها مركزاً عالمياً لدعم صنع القرار، وخصوصاً في مجال تطوير السياسات المستقبلية بشأن الاستدامة، لا سيما وأن الاتفاقية تهدف إلى توحيد الرؤى والأهداف من أجل تحقيق التعاون المشترك بين الطرفين في عدد من المجالات والمشاريع المشتركة على المستوى العالمي، ودعم البرنامج الذي أطلقه منتدى دافوس 2020، والهادف إلى تزويد عشرات ملايين الأشخاص حول العالم بمهارات جديدة تلائم سوق العمل، وتؤهلهم لشغل وظائف بحلول عام 2030، وذلك في إطار سعي المجتمع الدولي لإيجاد الحلول المناسبة والاستثمار في رأس المال البشري، والذي يمثل للإمارات أولوية وطنية. ولهذا فإن الشراكة مع المنتدى بشأن تعزيز المهارات أمر يتماشى تماماً مع متطلبات الثورة الصناعية الرابعة التي تبنتها الدولة.
تلك الخطوة التي تحسب للإمارات سبقتها خطوات محلية كثيرة، وجميعها تصب في رؤية حكومة الإمارات واستدامتها، ومن بينها «أسبوع أبوظبي للاستدامة» الذي تم إطلاقه قبل اثني عشر عاماً، وأسهم في ترسخ حضور أبوظبي عاصمة رائدة في تبني التغيير الإيجابي لتعزيز التحول إلى الطاقة النظيفة بعد إطلاقه عدداً من المشاريع الكبيرة والمهمة، وهو ما جعل «الأسبوع» محط أنظار المهتمين والمختصين على مستوى دولي، ومنصة تحفز على دفع عجلة التنمية المستدامة في العالم، إلى درجة أصبح فيه منبراً للحوار ولصياغة الأفكار واستراتيجيات العمل التي تتمحور حول قضايا الاستدامة التي تعتبر نهجاً واضحاً في الإمارات كون الاستدامة تترجم معنى الرفاه المجتمعي الذي تبنته الدولة منذ عقود.
إن أهمية «الأسبوع» في دورته التي اختتمت قبل أيام تكمن فيما تضمنه من فعاليات، وعلى رأسها انعقاد الجمعية العمومية للوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا»، وكذلك «منتدى الطاقة العالمي للمجلس الأطلسي»، وقمة مستقبل الاستدامة. بالإضافة إلى إقامة معرض ومنتديات القمة العالمية لطاقة المستقبل، وملتقى أبوظبي للتمويل المستدام، وحفل توزيع جوائز جائزة زايد للاستدامة، وملتقى السيدات للاستدامة والبيئة والطاقة المتجددة، وشباب من أجل الاستدامة.
من المؤكد أن كل تلك الفعاليات ترسخ مفهوم الاستدامة لدى الأفراد والمجتمع، وعلى الصعيدين الشعبي والرسمي، في ظل تأكيد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، على التطلع إلى المستقبل بمزيد من الإصرار والثقة لمواصلة مسيرة الوطن وتحقيق ما هو أفضل للأجيال القادمة والبشرية جمعاء.
لقد مثلت فعاليات «أسبوع أبوظبي للاستدامة 2020» فرصة مثالية لعرض الأفكار وتبادلها، وفتحت المجال للنقاشات الجادة التي تهدف إلى تلبية احتياجات المستقبل، بما يسهم في تحسين جودة حياة الشعوب في ظل تزايد الطلب على الطاقة حول العالم، لكن التركيز اليوم أكبر على الطاقة النظيفة التي تحمي البيئة وتحافظ على البشرية، ما يشكّل تحدياً كبيراً لصناع القرار، خاصة وأن التقرير الصادر عن منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) يشير إلى أنه من المتوقع زيادة الطلب العالمي حتى عام 2040 على الطاقة بنسبة 25%، ويكون الاعتماد الأكبر على النفط والغاز بنسبة لا تقل عن 50%، وخصوصاً في ظل ارتفاع الطلب في البلدان النامية عليهما، ومن المقدر أن يصل استهلاك تلك البلدان إلى 21.4 مليون برميل نفط يومياً بحلول عام 2040.
إن قيادة الإمارات تدرك وتعي معنى ذلك، ولهذا أعدت خططاً مزدوجة للتعامل مع الأمر، فهي من جهة لا تهمل تطوير قطاع النفط والغاز لزيادة إنتاجهما، لكنها - وبشكل مسؤول - تعمل على ضمان توفير إمدادات مستقرة وموثوقة من الطاقة للأسواق العالمية. كما أنها من جهة أخرى تمنح مجالات الطاقة الحديثة اهتماماً منقطع النظير. فخلال السنوات العشر الأخيرة نجحت في مضاعفة إنتاجها من الطاقة الشمسية بمقدار 400%، وتستثمر في مشاريع الطاقة المتجددة النظيفة داخل الدولة وخارجها بطاقة إنتاجية إجمالية تقارب 12 جيجاواط. وهذا يعيدنا إلى الاستراتيجية التي أطلقتها عام 2017، فكانت أول خطة موحدة للطاقة فيها، حيث تم التركيز على تحقيق التوازن بين الإنتاج والاستهلاك والالتزامات البيئية العالمية، وضمان بيئة اقتصادية مريحة للنمو في جميع القطاعات، مع استهداف رفع كفاءة الاستهلاك الفردي والمؤسسي بنسبة 40%، ورفع مساهمة الطاقة النظيفة في إجمالي مزيج الطاقة المنتجة في الإمارات من 25% إلى 50%، وتوفير نحو 700 مليار درهم حتى 2050، إلى جانب خفض الانبعاثات الكربونية من عملية إنتاج الكهرباء بنسبة 70% خلال العقود الثلاثة المقبلة.
إن الاستدامة تشكّل قضية جوهرية بالنسبة لصناع القرار من أجل الحفاظ على مستقبل البشرية، وهذا معناه أن تضافر الجهود الدولية مطلوب من أجل دعم التحول إلى الطاقة النظيفة، وبعيداً عن الاعتماد على الموارد الكربونية وخصوصاً في دول العالم الثالث، إذ لا يزال نحو مليار شخص فيها يفتقرون إلى الكهرباء، وثلاثة مليارات لا يحصلون على الوقود النظيف لأغراض الاستخدام المنزلي.