فلسطين القضية المركزية للعرب بالإجماع، لن تكون يوما فصا من الملح لكي تذوب في بحر «الربيع العربي»، الذي بعثر أوراقها يمنة ويسرة. خلال العام 2019، كان صوت «صفقة القرن» مدوياً، والمشهد العام لتلك الحالة، كان ينم عن ثلاثة فرق سياسية تتقاذف الكرة الفلسطينية، فريق يرفع سقف التوقعات، وآخر يخفضها، وثالث يلتقط ثمار جهد الفريقين المتنافسين على الفوز من بقاء الصراع مشتعلاً.
فالذي احتل صدارة المسرح السياسي الفلسطيني، ليس أصحاب القضية الأصلية، بل ترامب وصهره كوشنير المنوط به إنجاز الملف الفلسطيني قبل انتهاء فترة رئاسة ترامب الأولى والتي لم يبق منها إلا النذر اليسير بحساب السياسة وكذلك الزمن.
ترامب وعد في أول خطاب له عندما فاز بالرئاسة بحل القضية الفلسطينية بطريقته الخاصة في حلحلة الأمور العالقة في العالم كما فعل بالنووي الإيراني واتفاق المناخ في باريس.
ترامب وهو يتحرك تجاه حلحلة الملف الفلسطيني، لم يستند إلى خطوات سابقة، خاصة المبادرة العربية في بيروت 2002 وطرح الملك عبدالله المتمثل في السلام الشامل والكامل مقابل دولة فلسطينية على حدود 67.
لقد أطلق ترامب أكثر من بالون اختبار لجس نبض الواقع العربي الذي لا يزال يعاني من تداعيات اندلاع ثورات «الربيع» المدمر للأوطان. أخطرها كان «القدس» ونقل السفارة الأميركية إليها كعاصمة أبدية لدولة إسرائيل وتبرع أحد أثرياء اليهود لبناء مبنى السفارة بالكامل، دون أن تدفع أميركا بنساً واحداً.
حساب «إسرائيل بالعربية»، بـ«تويتر»: عن مصادقة الحكومة الإسرائيلية على إقامة (مستوطنة) جديدة في الجولان (المحتل) ستسمى «هضبة ترامب» وقال نتنياهو: نفتخر بأن لدينا الفرصة لإقامة تلك البلدة ولتكريم صديق كبير «اعترف بسيادة إسرائيل في الجولان».
وتستمر سلسلة الاختبارات تباعاً والتي لم تحدث أي ردود فعل لقلب موازين السلام لصالح القضية المركزية.
أشار عبدالله بشارة في مقال له في «القبس» الكويتية قائلاً: «من الدروس التي تعلمناها عن الدور الأميركي أنه يسعى ويعمل وفق دبلوماسية الممكن والمقبول، وليس وفق ما يتطلع إليه أي طرف، كما أن الانطلاق الأميركي لا يتأثر بمنصات سياسية معلنة، مثل المبادرة العربية أو الانسحاب الكامل مقابل التطبيع الكامل، ولا قرارات الأمم المتحدة حول حقوق اللاجئين، وإنما يتحرك وفق منطق الواقع، فلن يرضي الأطراف، وإنما يخرج بالحصيلة التي يمكن أن تتعايش معها جميع أطراف النزاع».
لقد ردت الرئاسة الفلسطينية على ما ذكره ترامب، بأن إدارته تحدثت بإيجاز مع الفلسطينيين، بشأن تفاصيل إعلان «صفقة القرن»، مؤكدة أنه لم يجر أي حديث مع الإدارة الأميركية، لا بإيجاز أو بإسهاب، وجددت الرئاسة على لسان الناطق باسمها «نبيل أبو ردينة»، التأكيد على أن الموقف الفلسطيني واضح وثابت من رفضها لقرارات ترامب المتعلقة بالقدس وبكل ما يتعلق بـ«صفقة القرن».
المأمول أن تحرك الخطة ركود القضية المركزية للعرب التي عانت منذ قرابة عقدين من تهميش سببه الأول والأخير هو الاضطراب العربي الذي جعل بعض المجتمعات تيأس وتنتفض وبعضها الآخر يصاب بلوثة التطرف. وعلى الرأي العام العربي أن يدرك قبل فوات الأوان أن المفاوضات تعكس موازين القوى على الأرض ونتائجها ليست مثاليات لا يزال البعض يتوهمها. لننتظر كي تتضح أبعاد خطة ترامب وفحوى مضامينها، قبل الحكم عليها، والخوف كل الخوف من استباق النتائج، وفي هذه الحالة سنكون أمام فرصة ضائعة جديدة على الأقل من أجل حشد الاهتمام الدولي من جديد بقضية العرب المركزية.