مؤخراً، أمرت المحكمة الأعلى التابعة للأمم المتحدة ميانمار باتخاذ إجراءات عاجلة لحماية المسلمين الروهينجا من الإبادة الجماعية. ففي قرار صدر بالإجماع، حكمت محكمة العدل الدولية بأنه من دون هذه التدابير، فإن أقلية الروهينجا الهشة يمكن أن يلحقها «ضرر غير قابل للإصلاح». هذا القرار الملزم قانونياً رحب به المدافعون عن حقوق الإنسان باعتباره «جرعة أولى من العدالة» بالنسبة للروهينجا. غير أنه ما إن كان القرار سيحمي الروهينجا بالفعل، فتلك مسألة تعتمد على الدبلوماسية التي ستتلو لاحقاً.
ومن الواضح أن الدعوات لتحقيق العدالة بالنسبة للروهينجا في ازدياد، ولطالما تعرض الروهينجا للتمييز والتهميش السياسي في ميانمار. ففي السنوات الأخيرة، قادت القوات الحكومية هجمات عنيفة ضدهم، ما دفع قرابة مليون منهم إلى الفرار إلى بنجلاديش المجاورة منذ منتصف 2017. وقد وصف المفوض السامي السابق لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، زيد الحسين، الحملة بأنها «مثال كلاسيكي للتطهير العرقي»؛ ومن جانبها، قالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة «يانجي لي» إنها تحمل «علامات الإبادة الجماعية».
وفضلاً عن ذلك، دعت الحكومة الأميركية إلى المحاسبة وفرضت عقوبات. وطالبت منظمات حقوقية بالعدالة. وكذلك فعلت منظمة التعاون الإسلامي. وأخذت جامبيا المبادرة ورفعت دعوى إلى محكمة العدل الدولية في نوفمبر الماضي، متهمة ميانمار بارتكاب الإبادة الجماعية. ورغم أن جامبيا لم يلحقها أي أذى مباشر، فإنها كانت تستطيع رفع دعوى لأن القانون الدولية يعتبر منع الإبادة الجماعية واجباً لكل المجتمع الدولي.
القرار له أهمية قانونية، صحيح أن البت في القضية قد يستغرق سنوات، لأن إثبات الإبادة الجماعية سيكون صعباً، لأن ذلك يتطلب أدلة على وجود نية لدى حكومة ميانمار، وليس على أفعالها فقط. الأمر القضائي الذي صدر الأسبوع الماضي يمثل أمراً قضائياً أولياً، وليس حكماً على جوهر الدعوى. غير أن له تداعيات قانونية مهمة، ويمكن أن يساعد على حماية الروهينجا – إن أفضى إلى ضغط دبلوماسي أقوى على ميانمار.
ورغم أن ميانمار شددت على أنها اتخذت خطوات لمنع إلحاق الأذى بالروهينجا، فإن محكمة العدل الدولية لم تقتنع. إذ ينص طلبها على ضرورة أن تتخذ ميانمار «كل الإجراءات الممكنة» لمنع حدوث أعمال إبادة جماعية ضد الروهينجا، بما في ذلك منع جيشها والوحدات غير النظامية التابعة له من ارتكاب إبادة جماعية، أو التآمر من أجل ارتكابها، أو التحريض عليها. وتعتبر هذه النقطة الأخيرة مهمة للغاية، لأن القادة المدنيين لميانمار كانوا يدعون أحياناً أنهم لا يسيطرون على الجهاز العسكري القوي للبلاد.
كما ينص أمر محكمة العدل الدولية أيضاً على ضرورة المحافظة على الأدلة المرتبطة بادعاءات الإبادة الجماعية، مثل الوثائق والبقايا المادية، وتقديم تقارير دورية بشأن ما تفعله ميانمار من أجله تجنب إبادة جماعية ضد الروهينجا وإتلاف الأدلة. ومن المقرر أن يصدر أول تقرير في مايو المقبل. وتترقب الأمم المتحدة وبلدان أخرى هذا الموعد لرؤية ما إن كانت ميانمار قد وفت بهذه الالتزامات القانونية الدولية.
القرار له تداعيات قانونية غير بديهية أيضاً. فقد وجدت محكمة العدل الدولية أن الروهينجا «يبدو أنهم مجموعة محمية» تحت اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948. وهذا مهم لأن ميانمار لطالما نفت الوضع القانوني للروهينجا، إذ تعاملهم كمهاجرين بنغاليين غير شرعيين، وليس كأعضاء مجموعة عرقية مختلفة. وحتى استخدام المحكمة لمصطلح «الروهينجا» كان لافتاً، بالنظر إلى رفض قادة ميانمار استخدام اللفظ.
من المهم عدم المبالغة بشأن الأهمية القانونية للأمر القضائي، ذلك أنه بشكل عام أعاد التأكيد فقط على واجبات والتزامات ميانمار باعتبارها موقعة على اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 والقانون الجنائي الدولي ذي الصلة. وإضافة إلى ذلك، اختارت محكمة العدل الدولية ألا تأمر ميانمار بالسماح بدخول فريق من المحققين الأمميين، الذي مثّل طلب غامبيا الأكثر جرأة. وبالتالي، سيتعين على غامبيا، التي رفعت الدعوى، أن تعتمد على المعلومات التي يحصل عليها موظفو كشف الحقائق الأمميون، والصحافيون، ومنظمات المتجمع المدني التي تعمل خارج ميانمار عموماً.
ومع مواصلة محكمة العدل الدولية النظر في القضية وفتح المحكمة الجنائية الدولية إجراءات خاصة بها ضد ميانمار وشروعها في جمع الأدلة، بدأ قادة البلاد في التراجع عن موقفهم المتشدد السابق. فقد أصدرت لجنة التحقيق في ميانمار، التي تُعتبر على نطاق واسع أداة تابعة للحكومة، تقريراً في أواخر يناير الماضي يعترف بجرائم حرب ممكنة ضد الروهينجا. ومن جانبها، اعترفت أيقونة حقوق الإنسان السابقة التي ترافعت باسم ميانمار في لاهاي، أونج سان سو كي، بإمكانية استخدام «القوة غير المتناسبة».
ورغم أن هذه الاعترافات قد تكون جهوداً تكتيكيةً لصرف الانتباه عن اتهامات الإبادة الجماعية، فإنها تُظهر أن ميانمار تأخذ الضغط الدولي على محمل الجد. فقادة ميانمار يخشون مزيداً من العقوبات الأميركية والأوروبية، ما سيتركهم أكثر اعتماداً على الصين في التجارة والاستثمار – وهو شيء يريدون تجنبه. هذا الأمر يمنح الحكومات الغربية تأثيرا. وإذا استخدمته، فإن هناك احتمالاً قوياً لأن يجلب حكمُ محكمة العدل الدولية ودعوى غامبيا للروهينجا بعض الغوث، وربما حتى بعض العدالة.
جون تشورشاري
أستاذ ومدير مركز «ويزر» للدبلوماسية ومركز السياسة الدولية في كلية «جيرالد فورد» للسياسة العامة بجامعة ميشيغن
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»