ندرك جميعا الأثر الذي خلفته ثورة المعلومات، وانتشار استخدام الإنترنت، على جميع جوانب الحياة الإنسانية. أحد تلك الجوانب التي تأثرت بشكل كبير، هو الجانب الصحي أو الطبي، وإلى درجة أصبحت تثير القلق لدى أفراد المجتمع الطبي نفسه. فعلى سبيل المثال، شهدت السنوات الأخيرة زيادة مطردة في عدد من يلجؤون للإنترنت، سعياً وراء الحصول على معلومات عن مرضهم، أو تفسير الأعراض التي يشتكون منها، وربما حتى محاولة تشخيصها.
ومؤخرا ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي، بأشكالها وأنواعها المختلفة، في نشر موجة عالمية من الرعب والمخاوف من فيروس الكورونا الجديد (كوفيد19)، على الرغم من أن عدد الوفيات لم يتخط حتى الآن ألفي شخص، في الوقت الذي يقتل فيه فيروس الإنفلونزا ما بين 250 إلى 500 ألف شخص سنويا، أي ما بين 20 إلى 40 ألف وفاة شهرياً. وبناء على هذا المعدل، قتل فيروس الإنفلونزا منذ ظهور فيروس الكورونا قبل شهرين، ما بين 40 إلى 80 ألف شخص، مقارنة بأقل من ألفين خلال نفس الفترة من جراء فيروس الكورونا. وحتى على صعيد «معدل الإماتة»، والذي يعبر عن نسبة الوفيات بين المصابين بمرض ما، فسنجد أنها لا تزيد عن 2 أو 3 في المئة حسب أسوأ التقديرات، مقارنة بنسبة تصل إلى قرابة 10 في المئة لفيروس «السارس» مثلاً.
ويعزى الرعب العالمي الحالي إلى سببين رئيسيين، الأول هو وسائل التواصل الاجتماعي بما تحمله من إشاعات وأكاذيب ومفاهيم خاطئة، تنتشر انتشار النار في الهشيم دون رقيب أو حسيب، أما السبب الثاني، فهو ثقافة الأخبار على مدار الأربع والعشرين ساعة، خلال جميع أيام الأسبوع، والمعروفة بأخبار 24/7.
ويتغذى هذان السببان على الطبيعة البشرية، التي تخشى وتخاف من المجهول ومن غير المعروف، وفي الوقت نفسه قد تتعامل بتهاون واستخفاف مع خطر أكبر وأعظم. فعلى سبيل المثال، شهدت السنوات الماضية تزايداً في عدد الوفيات من فيروس الحصبة، لتبلغ العام الماضي وحده 142 ألف وفاة، أي ما يزيد على 70 ضعف وفيات الكورونا حتى الآن. ورغم ذلك لا نجد فيروس الحصبة يلقى اهتماما يذكر بين العامة، ولا تفرد وسائل الإعلام مساحات كافية له، رغم تزايد عدد حالات الإصابة والوفيات عاما بعد عام.
وتحمل وسائل التواصل الاجتماعي في طياتها خطراً خاصا. فرغم أنها تمنح المشاركين بعض المعلومات، إلا أنها لا توفر لهم الحقائق بشكل كامل. أضف إلى ذلك أنها تعتبر مرتعاً للإشاعات والادعاءات الكاذبة. مثل ادعاء البعض أن تناول الثوم، أو حبوب فيتامين «سي»، يحقق الوقاية من العدوى بالفيروس. وأحيانا ما يصل الأمر بالبعض إلى اختراق مواقع الجهات الصحية الرسمية، ونشر معلومات وأكاذيب على صفحاتها، مثلما حدث مؤخراً مع موقع وزارة الصحة الكندية. وبخلاف هذا وذاك، تصاحب الوباء الحالي بالعديد من المفاهيم الخاطئة، التي يتوقع لها أن تزيد من وقعه وتبعاته، وأن تترك أثراً صحياً واقتصادياً واجتماعياً، يتخطى حجمه الحقيقي.
وتبقى الطبيعة الأساسية للإنترنت، كمصدر مفتوح لكم هائل من المعلومات، غير الموثقة في الكثير من الأحيان، إحدى أهم القوى المشكلة للثقافة العامة الصحية حاليا. حيث يمكن لأي شخص، يملك كمبيوترا ووصلة إنترنت، الحصول على قدر من المعلومات، لم يكن متوفراً قبل سنوات قليلة إلا للأطباء. وهو ما جعل من أصداء أوبئة الأمراض المعدية على المستويين المحلي والدولي، مختلفة تماماً في عصر الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، ونشرات الأخبار على مدار الساعة.