يبالغ العرب في بلادهم أو في الولايات المتحدة (هناك اختلافات مهمة بين مصالح الفئتين) في الرّهان على بيرني سادرز كرئيس محتمل للولايات المتحدة الأميركية، وبالطبع فإن سنايدر يشكل ظاهرة إنسانية وعالمية مهمة لا تقل عن أهمية انتخاب باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة، إذ يؤشر كلاهما على التحولات العميقة في الفكر الإنساني وما يمكن أن يكون عليه العالم في المستقبل، وربما تكون هذه المسألة أكثر أهمية واستحقاقا للبحث والتأمل من السؤال والتفكير حول سياسات سادرز تجاه العرب والقضايا العربية، لأنه وببساطة لا يوجد اختلاف جوهري في السياسة الأميركية الخارجية بين «الجمهوريين» و«الديمقراطيين» أو بين التيارات المتعددة في الحزبين، ولأنها (السياسة الخارجية الأميركية) محكومة باعتبارات ومصالح واقعية، سيكون التأثير فيها باتجاه التعديل أو المراجعة محدوداً ومحكوماً بالواقع القائم وبالمؤسسات والأفكار العميقة للولايات المتحدة، ولذلك فإن الحديث والتأمل في انتخاب ساندرز تحكمهما فكرتان أساسيتان، وهما السياسات العامة الجديدة، والتي ستكون مغرقة في التفاصيل والخصوصية الأميركية (مثل الضرائب والتأمين الصحي والحماية الاقتصادية والهجرة وتوزيع الموازنة العامة)، والأخرى هي الفكر العالمي والإنساني الجديدة الذي يتشكل، أو يمكن أن يتشكل مستدلاً عليه بطبيعة الحال بما يحدث في الولايات المتحدة باعتبارها الدولة الأكثر أهمية في العالم منذ العام 1890، والمتوقع أن تظل الأكثر أهمية حتى نهايات القرن الحادي والعشرين على الأقل، وربما تستمر بعد ذلك، بسبب ما تملكه من جرأة وحيوية ومبادرات إنسانية واقتصادية وإبداعية، وجاذبية حضارية وثقافية.
هناك أسئلة تشغل العرب، فالشرق الأوسط يشهد تطورات وأحداثاً معقدة تجعل العرب منشغلين كثيراً بالسياسات الأميركية، وما يمكن أن يحدث فيها من تغيير، وأما العرب المتوطنون في الولايات المتحدة والمقيمون فيها للتعليم أو العمل، فإن أغلبهم يرون فروقا مهمة بالنسبة لأوضاعهم وتطلعاتهم التي تخصّهم كمواطنين أو مقيمين في الولايات المتحدة، وبالطبع فإنه يبدو بديهيا أن سياسات «الديمقراطيين» أكثر تسامحاً وتقبلا للعرب وغيرهم، فالقاعدة الاجتماعية والانتخابية لـ«الديمقراطيين» تقوم على الطبقات الوسطى والمكونات الإثنية والعرقية كالعرب واليهود والأفارقة، وكذلك الحركات والجماعات السياسية والاجتماعية الجديدة المشغولة بالبيئة والتغير المناخي وحقوق الإنسان والمساواة والتمكين الاجتماعي والسياسي للفئات الأقل حظا، في حين يمثل «الجمهوريون» بسياساتهم وأفكارهم المحافظة مصالح الصناعات والمؤسسات الأميركية والغربية التقليدية والجماعات الانجلو سكسونية والأوروبية والكنائس الإنجيلية.
ومما يدعو للتأمل والبحث أن العرب في الولايات المتحدة يغلب عليهم الحماس الكبير للمرشحين الليبراليين في كل انتخابات تجري، بل إنهم ينشطون ويجرون اتصالات شخصية وعامة، ويستخدمون قيما واتجاهات دينية لأجل تأييد وانتخاب ساندرز كما أيضاً كل مرشح ليبرالي، ويتحالفون في ذلك بوضوح وعلانية مع جماعات دينية وسياسية وحركات واتجاهات تبدو غير متقبلة بعد في عالم العرب والمسلمين، مثل اليهود واتجاهات ليبرالية اجتماعية وسياسية ليس متخيلا في المدى الحاضر أن تحظى بفرصة للعمل والتعبير في عالم العرب والمسلمين، ومن الملفت أن شخصيات دينية في أميركا تقدم أفكارا وفتاوى متشددة للعرب والمسلمين في بلادهم، لكنها هي نفسها تبدى اتجاها دينيا واجتماعيا يتقبل الآخرين من غير المسلمين ودعاة المساواة المطلقة! الأمر الذي يؤكد مقولة إن المصالح الاقتصادية والاجتماعية تنشئ أو تؤيد بطبيعة الحال اتجاهات وأفكارا ثقافية ودينية واجتماعية.
تجربة العرب مع بيل كلينتون وباراك أوباما وهيلاري كلينتون كوزيرة للخارجية الأميركية ومرشحة للرئاسة تساعد كثيراً على تقدير أفكار وسياسات ساندرز في حال نجاحه رئيساً للولايات المتحدة المتعلقة بالقضايا العالمية ومنها الشرق الأوسط والعولمة ومنظمة التجارة العالمية والتغير المناخي والديمقراطية وحقوق الإنسان، فعلى صعيد السياسات الواقعية الميدانية، ستواصل الولايات المتحدة بلا اختلاف بين الرؤساء المنتخبين استراتيجياتها الدفاعية والخارجية كما هي تاريخيا والمتمثلة في الحفاظ على المصالح الأميركية في المنطقة والالتزام نحو الدول الصديقة، وتقليل التدخل العسكري المباشر، والرهان على اللاعبين الإقليميين والتوازن والتأثير الممكن بالأدوات الاقتصادية والدبلوماسية والقوة الناعمة، ومؤكد أيضا ًأن ساندرز سيكون متحمساً لسياسات الحماية الاقتصادية التي يطبقها ترامب وكان قد بدأها قبله أوباما، فالمفاجأة كانت في تبني ترامب لهذه السياسات المخالفة للفكر الاقتصادي الرأسمالي الذي ينتسب إليه، في حين أن ساندرز باتجاهه وأفكاره اليسارية سيكون متحمساً لسياسات الحماية ودعم المنتجات والأعمال الأميركية، والحفاظ على فرص العمل والاستثمار والتصنيع قائمة في الولايات المتحدة، ويرجح أيضا أن الولايات المتحدة بقيادته سوف تزيد مشاركتها في أعمال وسياسات حماية البيئة والمناخ وقيم حقوق الإنسان والديمقراطية، هذا مع ضرورة التذكير أن سياسات وبرامج دعم وتمويل الديمقراطية في العالم تضاعف الاهتمام بها في أيام جورج بوش الإبن، وما ظهر من نتائج وتداعيات في عهد أوباما كان قد أسس لها جورج بوش، وهي ابتداء أفكار وسياسات كانت من دروس أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001.