«قيم الأزمات» و«أزمة القيم» ليس بين الجملتين إلا قلب الكلمات، ولكن الفرق بين الحالتين كما بين الثرى والثريا، هذا ما حدثتني به نفسي عندما تأملت في ما نشاهده اليوم وما نعيشه من القيم الاستثنائية التي اتخذتها بلادي دولة الإمارات قيادة وحكومة وشعباً للحدّ من انتشار فيروس كورونا المستجد الذي أطلّ برأسه على الإنسانية بتحديات كثيرة، وطوارئ ناشئة، لا تجابهها إلّا القيم المتأصلة في الأفراد والمجتمعات.
لقد تجلّت «القيم الإماراتية» كأبهى مثال للعِيان في الإجراءات الاحترازية التي قامت بها الدولة حيال هذا الفيروس المستشري في العالم اليوم، وتجسدت تلك القيم في الوفاء مع الوطن، ومع الذات، ومع الإنسانية، وقبل ذلك وبعده الوفاء مع الله تعالى خالق الإنسانية جمعاء، ولا شك أن «أصدق أنواع الوفاء ما كان وقت الشدّة» وهو ما أشار إليه القرآن الكريم، وسمّاه «ساعة العسرة»، ومواقف دولة الإمارات المتتالية في مثل هي الظروف، هي مواقف الفزعة والنبل، والبطولة والعطاء، في وطن الإنسانية، هذا الوطن الذي:
جمع السّلامة والشهامة إنه            وطنٌ يحوز مكارم الإنسان
تلك المواقف التي حض عليها ديننا، ودعت إليها ثقافتنا، وحثت عليها أخلاقنا، إنها بحق:
مآثر في سجل المجد قد كتبت         لو أُنصِفَتْ خطّها الرّاوون بالذهب
كل هذا يدعونا لندرك قيمة هذه الدولة وقيمها، وصدقها ووفاءها، فإذا كانت الأزمات عند البعض تدفع للأنانية والاستغلال، فإن مبادئ «أبناء زايد» لا تتغير، فالأزمات في قاموسهم تصنع الرجال، وتوقظ القيم، وتعزز التلاحم، نعم، لقد جددت فينا هذه الظروف معانيَّ حبّ الوطن والتفاني في سبيله، فحين نرى شبابًا مواطنين يتطوعون، لم يحُل بينهم وبين المخاطر شيء، واختاروا بإرادتهم أن يذهبوا لبؤرة المرض مخاطرين بأنفسهم لينقذوا غيرهم استجابة لنداء الوطن لهم، وداعي الأخوّة الإنسانية المتأصل فيهم، نعلم يقينًا رسوخ الإيمان بقيم هذا الوطن في شبابنا، ومطلق التضحية والولاء له.
وفي هذه الأزمة -التي ستمر بإذن الله تعالى- نرى التكامل والتعاون بين جميع المؤسسات الوطنية في أعلى المستويات، والعمل بروح الفريق الواحد من أجل مصلحة الوطن وأبنائه، والمحافظة على المستويات العالية من سلامته.
وتتجلى في بلادنا في هذه الظروف قيم الإنسانية، فدولة الإمارات اليوم هي المثل الأعلى، والقدوة المثلى في الدرس الإنساني الذي تُقدمه للعالم، أثارت انتباه الجميع بحرصها على الإنسان، وصيانته ورعايته، مهما كان انتماء هذا الإنسان، فالإمارات هي قبلة الإنسانية التي يأوي إليها الأصدقاء، ويلجأ إليها المكلومون، تسطّر بتوجيهات قيادتها وبطولات أبنائها، النجاح تلو النجاح، فهي واحة الاستقرار في هذا الظرف العالمي العصيب، وهي حضنٌ آمن لكل ملهوف في هذا الوقت الذي يشعر العالم فيه بخوف ورعب وفزع.
كما برزت في هذه الظروف، الجاهزية الكاملة لمؤسسات الدولة، وتوفرها على البدائل المتطورة، من أجل رفاهية المواطن والمقيم، سواء في ميدان التعليم والعمل عن بعد والعلاج وإدارة الأزمات وامتصاص المخاطر وتنمية الاقتصاد ومواكبة التطورات.
إن المتأمل في جهود الدولة العظيمة هذه، يستحضر شخصية محورية لن تغيب عنا في مثل هذه المواقف المفصلية، إنها شخصية المغفور له الشيخ زايد -طيب الله ثراه- والغرس الذي غرسه، ها هو ينمو كل يوم ويزدهر، ويلفت أنظار العالم من حولنا، ويحقق أرقامًا في مجال التنافس العالمي، وفي مجالات العمل الإنساني والتقدم العلمي، ترعاه قيادتنا الرشيدة -حفظها الله- بكل تفانٍ وعطاء ليسدي خدماته الإنسانية الجليلة لكل قريب وبعيد. فلله الحمد وله الشكر على نعمه العظيمة وآلائه الجزيلة.
*المدير التنفيذي للشؤون الإسلامية للهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف.