ما تقوم به دولة الإمارات من مبادرات إنسانية في مجال الدبلوماسية الصحية من إجلاء طبي من دول تعد بؤراً لانتشار فيروس (كورونا المستجدّ) بدافع إنساني بحت يعكس قيم ومبادئ الشعب الإماراتي، وخاصة إذا علمنا بأعداد المتطوعين في هذه المهام الداخلية والخارجية، ناهيك عن تسخير كل سبل الراحة والمستوى الراقي من الضيافة في مرافق حوّلت لفنادق خمس نجوم لتلبية احتياجات الأشقاء والأصدقاء من مختلف الدول، وإخراج مواطنيهم من عنق الزجاجة من الصين وغيرها من الدول، مما يمثّل سابقة عربية تعكس الرؤية الثاقبة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في تحويل مفهوم الدبلوماسية الناعمة الصحية إلى دبلوماسية إنسانية للرعاية الطبية.
والدبلوماسية الصحية كما عرّفها  الطبيب والباحث العلمي الأميركي «أنثوني فوسي» بأنها: «كسب قلوب وعقول الناس في البلدان الفقيرة من خلال تصدير الرعاية الطبية والخبرات والموظفين لمساعدة من هم في أمسّ الحاجة إليها»، وهي متعددة المستويات حيث تشمل: أصحاب المصلحة الدوليين، والمنظمات المحلية التي تهدف إلى تحسين مستوى الرعاية الصحية من خلال تصدير المعدات الطبية والخبرات والموارد البشرية إلى أولئك الذين هم في أمسّ الحاجة إليها، بالإضافة إلى تسخير الموارد والتكنولوجيا وآخر ما توصل إليه العلم في القطاع الطبي، والمؤتمرات والندوات والجامعات والمستشفيات المتميّزة لتحقيق كسب سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي أو ثقافي.. إلخ، وهي تتصل بصفة خاصة بالمسائل والمحددات الصحية التي تتجاوز الحدود الوطنية، وهي ذات طابع عالمي وتتطلب اتفاقيات عالمية لمعالجتها وهو ما يدخل في إطار المفاوضات الصحية، والتأثير الصحي للمفاوضات غير الصحية في استخدامات السياسة الخارجية ودعم الصحة العالمية وسمعة الدول.
والدبلوماسية الصحية ليست بأمر مستجد فقد استخدمت منذ أكثر من 150 عاماً كممارسة، وأما بالنسبة للمصطلح نفسه فجديد نسبياً، وأما فيما يتعلق بالقضايا الراهنة مثل مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات، والأمراض غير السارية، أو معالجة المشاكل الصحية للمهاجرين واللاجئين فهي تبقى تحديات معقدة وتتنامى مع مرور الوقت وليس العكس، مما يشكّل بدوره ضغط على الشعوب قبل الحكومات في ظل ارتفاع معدلات الفق، وذلك رغم أن التعاون الصحي الدولي يمثّل أحد القوى الموحدة ونقطة مرجعية قوية لتحقيق نتائج صحية واجتماعية عادلة.
وتشمل الأهداف الأساسية للدبلوماسية الصحية تحسين صحة السكان ورفاهيتهم الصحية على نحو أكثر إنصافاً، وتبادل معلوماتي في الحالات التي قد تتعرض فيها الجهود الدبلوماسية لضغوط، أو عندما يصعب إجراء مفاوضات، ويمكن للدبلوماسية الصحية أن تفتح الأبواب لتعزيز حوار جديد وخلق المزيد من الشراكات على مستوى غير سياسي، وذلك من خلال تبادل المعارف العلمية المبنية على الأدلة مع القادة والعاملين في القطاع الصحي، مع أهمية التقاطع بين الصحة العامة والشؤون الخارجية، حيث إن إحدى السمات المميزة للسياسة الخارجية الفعّالة، هي أنها تعمل خلف الأبواب، وفي المقابل تظهر أفعالها بصوت عالٍ وبشكل مرئي.
وبعد انتشار الذعر العالمي المتزايد الناجم عن تفشّي الفيروس التاجي، حيث تتوقع بعض الدراسات المستقلة أن نصف سكان كوكب الأرض قد يتعرضون للإصابة بهذا الفيروس، لا ينبغي أن نُشعر البلدان التي تنشأ فيها فاشيات بضعف الجاهزية أو أن توصم بالتقصير، ولذلك يتعين على الحكومات أن تنشئ قنوات رسمية وسرية تمكّن المسؤولين من خلالها أن يتبادلوا المعلومات بشفافية عن المخاطر الصحية الناشئة أو الأوبئة المحتملة، وذلك لسد ثغرة الحكومات التي تخشى الإحراج السياسي في الداخل والخارج، وبالتالي حجب المعلومات الدقيقة والأرقام الحقيقية.