إلى العام 2019 كان العالم بحجم قرية، وبدخول العام 2020 تقزم حجمه في فيروس «كورونا»، ليؤشر على مدى قرب البشرية من بعضها البعض في السراء والضراء. المهم أن علينا أن نصل إلى الحد الأدنى من التعاون والتنسيق للتخلص من هذا الوباء.
لقد تتبعت، بقدر ما سمح به الوقت، معظم الآراء التي ذُكِرت حتى الساعة عن «كورونا»، وسوف ألخصه في عجالة، حسب فهمي وإدراكي لمجريات الأمور في سياسات الدول عند وقت الأزمات.
السهم المباشر أصاب الصين بفيروس «كورونا» في «يوهان»، التي قيل بأنها تحوي أكبر مختبر بيولوجي أميركي على مستوى العالم، بمظنة أن «كورونا» لقي طريقه للهرب إلى بقية دول العالم، وأميركا نفسها لم تسلم من شره.
والمفارقة أن الصين إلى هذه اللحظة لم تتهم أميركا في الإضرار بوساطة «كورونا»، مع أنني استمعت إلى أكثر من محلل، وبالذات من الروس، يطلقون سهامهم عليها بشدة، وبلا تردد، ومن هؤلاء خبراء في الأمم المتحدة.
وأدخل البعض حمّى إعادة انتخاب ترامب لولاية ثانية على سكك «كورونا»، وكأنه كرت اختبار له، وفقاً لكيفية التعامل مع هذا الطارئ المتشكل.
مع مرور الوقت، لم تعد الصين تعاني بمفردها، فقد انضمت إليهما إيطاليا وإيران، ولا نعرف غداً من سيلحق بهم.
ليس بالضرورة أن تكون العلاقات بين الدول في حال عطاس وتشميت، لأن «كورونا» غير المعادلة إلى علاقة، تشبه ما يسمى في إسلامنا، «إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى»، وأسقط هذا الأمر على الجسد العالمي.
من مصلحة العالم أجمع التركيز على الوقاية وسبل العلاج، أكثر من البحث في مبررات التآمر علينا، أو على الدول الكبرى فيما بينها، لتوفر أسباب التنافس الدولية.
فالصين وأميركا وإسرائيل، يحثون الخطى نحو اختبار أكثر من عشرين لقاحاً، فيما المحللون مشغولون في المؤامرة التالية، عبر تنافس شركات الأدوية لامتصاص دماء الحكومات والأفراد في العالم الثالث، عبر شراء اللقاح المرتقب.
لا يمكن في هذه الفترة من عمر انتشار «كورونا» إجراء إحصاء دقيق بالخسائر البشرية أو المادية، لأن حبلها لا زال على الجرار، حتى يتم التوصل إلى اكتشاف المصل المنقذ والعلاج القاطع.
نشير سريعاً إلى بعض تلك الخسائر الاقتصادية، التي لن تنجو منها دولة وصلها «كورونا»، فالاقتصاد العالمي فقد قرابة ستة تريليونات من الدولارات، وقطاع السياحة حوالي 22 مليار دولار، وأسواق الأسهم الخليجية اقتربت خسائرها من 113 مليار دولار، وأسواق النفط العالمية انخفض فيها سعر البرميل نحو 30 دولاراً، وسجلت أسواق الأسهم الأميركية أدنى انخفاض لها.
هذه الخسائر الفادحة تنفي نظرية تآمر دولة على أخرى، لأن «كورونا» لا يمكن استخدامها سلاحاً لأي دولة في العالم، وهو كسلاح لا يشبه «القنبلة النووية» التي تدمر كلتا الطائفتين المتقاتلتين بالتساوي، أما «كورونا» وأشباهه من الفيروسات، فإنه يفجر أوضاع العالم أجمع، فلا فائدة لأي دولة من إطلاقه ضد أي منافس سياسي لها إطلاقاً.
فالبحث في المختبرات الطبية في هذه الحالة، والتحاليل العلمية، أولى وأجدى بكثير من حملة التحليلات السياسية والتخمينات والتكهنات والبحث عن المسبب الرئيس، كالبحث عن جثة غارقة في قعر المسيسيبي، فتكاتف العالم للخروج بعلاج طبي ناجع، أولى الآن من التقاذف بالتهم.