يتكون المجلس الأعلى للاتحاد من حكام الإمارات السبع الأعضاء في الدولة الاتحادية، لذلك فإن لكل إمارة دورا كبيرا في تسيير العجلة الاتحادية عبر حاكمها، وبالفعل فإن خط سير الاتحاد في ما يتعلق بتقويته وبدفع العملية الاتحادية إلى الأمام وبتعضيدها خلال الخمسين عاماً المنصرمة عن طريق المزيد من الصهر في البوتقة الاتحادية اعتمد كثيراً على مواقف ووجهات نظر الحكام كل منهم على حدة تجاه الاتحاد من خلال عضويتهم في المجلس الأعلى للاتحاد. ويعود السبب في ذلك إلى أن هذا المجلس يمثل السلطة الأعلى في الدولة الاتحادية.
ويتضح من مسار أداء المجلس الأعلى للاتحاد بأن أعضاءه لديهم قناعة تامة أن بناء الدولة الاتحادية وسلامتها والحفاظ على الوطن بكامل مقدراته الاقتصادية والجغرافية والسياسية والبشرية، هو أكثر الأمور أهمية على الإطلاق.
ووفقاً لهذا المنظور العميق، فإن المحافظة السرمدية على وحدة تراب الوطن وحماية أمنه العضوي من زاوية الأرض والبشر والثروات العامة والخاصة من الاعتداء الخارجي والمساس السلبي أياً كان مصدره سواء خارجي أو داخلي هي أمور لا جدال حولها ويتفق عليها الجميع.
ولكي يتحقق مثل هذا المنظور بنجاح على أرض الواقع لا بد وأن تحدث تفاعلات كفوءة عبر مستويات معينة قد يكون البعض منها متباينا.
فأولاً، عند بداية تشكيل الاتحاد، وربما قبل ذلك بقليل أدركت النخبة السياسية التحديات التي تواجهها في بيئتها السياسية الإقليمية والعالمية، لذلك فقد سعت نحو الحذر الشديد تجاه التعامل مع هذه التحديات تواجهها على الصعيد الجغرافي لعلمها بأن الجغرافيا تحتضن في داخلها معطيات سياسية، وتوفر إدراكاً لتكيف جوانب الحياة العامة لبيئة المكان المنضوي تحت السيطرة السياسية، وتعطي مؤشرات لنمط التحديات والقيود المعوقة، مثلما توفر ساحة ودليلاً على المقدرات الوطنية الكامنة ومجالات الاستفادة الحقيقية والمتكاملة منها.
ثانياً، أدركت النخبة السياسية أيضاً بأن الدولة الاتحادية ستكون مضطرة خلال مسيرتها للتكيف مع المتغيرات الزمانية. وهذا يعني التجهيز والتأهب أمنياً وسياسياً وعسكرياً واستراتيجياً لكل ما هو قادم من تطورات مستقبلية.
لذلك نلاحظ بأنه خلال ما مر من سنوات كانت الإمارات تمارس ما كان يجب عليها ممارسته من التكيف مع معطيات الزمن والتجاوب المرن مع مقتضيات عصرها الذي تعيشه، بالإضافة إلى الإدراك بأن التغير نحو الأفضل هو شرط أساسي من شروط الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
إن النقطة الأخيرة هذه هي التي جعلت دولة الإمارات قادرة ومتمكنة من التقدم السريع والانتقال الآمن من مجتمع يعتمد على الصيد والرعي والزراعة البسيطة إلى مجتمع متطور يعتمد على مواكبة كل ما هو جديد على صعد الاقتصاد والتكنولوجيا العصرية والتي تتغير بسرعة البرق.
هذا يدل على أن النخبة السياسية في دولة الإمارات مدركة لواقعها تماماً، وتتعامل معه على أساس من حكمة إنسانية رفيعة المستوى فحواها: «أنك إذا لم تتكيف مع التغيرات السريعة الحادثة في عالم اليوم بالسرعة والطرق الصحيحة، فستصبح عاجزاً، وإذا أصبحت عاجزاً، فإن الزمن قد يواجهك بتغيرات لاحقة تولد لديك الاضطراب وتخلق الفوضى وتدفع بك إلى ذيل قائمة دول عالم اليوم».
وثالثاً، على المستوى الدولي توجد مستويات ذات طبيعة خاصة مرتبطة ببعضها بعضاً وتؤثر على بعضها الآخر بقوة، فالرأسمالية العالمية تدفع بالسوق العالمية لكي تجتاز حدود البلدان سعياً وراء تحريرها من القيود المفروضة عليها من قبل الدول المستقلة كالتعرفة الجمركية والضرائب والإجراءات البيروقراطية الأخرى، وذلك في سبيل تحقيقها لأهدافها الذاتية الرامية إلى مضاعفة الأرباح وتوسعة الأسواق وتنويع الاستثمار، وربما في نهاية المطاف الهيمنة الامبريالية.
وفي مقابل ذلك النخبة الإماراتية مدركة بأن نظامها السياسي الذي أقامته، عليه مواجهة ذلك لأنه من واجبه بذل جهوده لإقامة نظام إنتاجي داخلي ونظام استهلاكي بنفس الطريقة التي تعمل بها آليات الإنتاج والاستهلاك العالمية.
إن الهدف من ذلك هو تحقيق ثروة وطنية وتفوق وتميز يفيد المواطن الإماراتي على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، بالإضافة إلى الرغبة في وضع دولة الإمارات في محلها الصحيح من حيث التأثير في الشأن الإقليمي والعالمي بوسائل جديدة وغير تقليدية من طرق التأثير السابقة.
هذا التأثير يتم الآن بكفاءة عالية من خلال قوة الإمارات الناعمة التي تحدثنا عنها سابقاً من حيث كونها غير عنيفة وذات صفات إنسانية راقية تقوم على الاقتصاد والتجارة وتبادل المصالح المشتركة مع جميع دول وشعوب العالم.
*كاتب إماراتي