رغم أن الديناميكيات التي تحرك وباء فيروس كورونا الحالي، لا زالت غير واضحة بشكل كامل للعلماء ولاختصاصيي الوبائيات الصحية، فإن دراسة نشرها علماء تابعون لمركز التحكم في ومقاومة الأمراض في الصين، وشملت تحليل بيانات إصابات ووفيات أكثر من 70 ألف حالة، ألقت بالضوء على بعض السمات المميزة لهذا الوباء، ومنحت الأطباء نوعاً من البصيرة تجاه الصفات، التي يتصف بها على صعيد نمط الإصابات ومعدلات الوفيات.
أولى تلك الصفات هي أن الغالبية العظمى من الحالات، وبالتحديد 80.9%، تصاب بدرجة بسيطة من العدوى، وتصاحَب بأعراض لا تزيد في حدتها عن أعراض دور البرد العادي، بينما يصاب 13.8% بالأعراض والمضاعفات الشديدة، و4.7% فقط تتصف حالاتهم بالحرجة والخطيرة جداً، وبناءً على هذه البيانات، ومن خلال متابعة عشرات الآلاف من الحالات، تبين أن 87% منهم شفيوا تماماً، بينما لا زال 9% يتلقون العلاج، ثلثهم تقريباً حالتهم خطرة، ومن بين جميع المصابين في الصين، وعددهم أكثر من 80 ألفاً، توفي 4%، أو 3.245 وفاة، وذلك حتى تاريخ نشر الدراسة المذكورة.
وعلى صعيد معدلات الإصابة والوفيات المرتبطة بالجنس أو النوع، ظهرت مفارقة واضحة، ففي الوقت الذي يصيب فيه الفيروس الذكور والإناث بمعدلات متساوية تقريباً، 51.4% للذكور و48.6% للإناث، نجد أن معدلات الوفيات بين الذكور أعلى بشكل واضح، حيث شكل الذكور 63.8% من الوفيات، مقارنة بـ36.2% فقط من الإناث، أي أن الوفيات بين المصابين من الذكور، تبلغ تقريباً ضعف الوفيات بين المصابات من الإناث.
وارتبطت الوفيات أيضاً بشكل واضح بالسن أو العمر، حيث بلغت أقصاها في مَن تخطوا سن الثمانين، وبنسبة وفيات بلغت 14% في هذه الفئة العمرية، ونسبة وفيات بلغت 8% لمن هم في السبعينات من العمر، ما يعني أن متوسط الوفيات لكل المصابين ممن تخطوا سن السبعين، تبلغ تقريباً 12%، أي واحد من كل عشرة أشخاص، وتتراجع نسب الوفيات مع تراجع العمر، لتبلغ أدناها بين سن العاشرة والتاسعة عشر، بنسبة 0.2%، مع عدم وجود حالات وفيات مسجلة بين مَن هم دون العاشرة.
كما ارتبطت الوفيات على نحو واضح بالحالة الصحية للمصابين، خصوصاً مَن يعانون من أحد أنواع الأمراض المزمنة، ففي الوقت الذي لم تتخط فيه نسبة الوفيات 1% بين من لا يعانون من أمراض مزمنة، نجد أن هذه النسبة ترتفع إلى 10.5% بين المصابين بأمراض القلب والشرايين، أي واحد من كل عشرة، وتصل إلى 7.3% بين المصابين بداء السكري، و6.3% بين المصابين بأمراض الرئة المزمنة، و6% بين المصابين بارتفاع ضغط الدم، و5.6% بين المصابين بالسرطان.
والخلاصة هي أنه في الوقت الذي سيمر المرض مرور الكرام على الغالبية العظمى من المصابين، تتأثر نسب الوفيات بشكل كبير بين الأقلية غير المحظوظة بعوامل عدة، مثل الجنس، حيث يموت عدد أكبر من الذكور مقارنة بالإناث، وبالعمر حيث تزداد نسب الوفيات بشكل طردي بازدياد عمر المريض، كما أن الفيروس يحصد بشكل أكبر وواضح، أرواح مَن يعانون أمراضاً مزمنة، وبذلك يكون الشخص الأكثر عرضة للوفاة بهذا المرض، هو الرجل المتقدم في العمر، وبالتحديد مَن تخطى العقد السابع من العمر، خصوصاً إذا ما كان مصاباً بمرض مزمن، مثل أمراض القلب والشراين أو داء السكري أو أمراض الرئة أو ارتفاع ضغط الدم.

*كاتب متخصص في القضايا العلمية والصحية