أعلنت حكومات العالم الطوارئ. ونزلت الجيوش إلى الشوارع. وتوقفت حركة الطيران حول العالم. وانهارت البورصات، وأقفلت المراكز التجارية أبوابها في الغرب والشرق. إنها الحرب العالمية الثالثة!
بدأت شرارة الحرب في الصين، وما لبثت أن انتقلت إلى كل دول العالم تقريباً.
التفت كل دولة في البدء حول نفسها. أغلقت حدودها. منعت الأجانب من دخولها. استرجعت أبناءها، ثم أعلنت الحرب على «كوفيد-19» من طرف واحد! ويبدو أن الأيام المقبلة ستشهد تشكيل «تحالفات استراتيجية» لمحاولة إنهاء هذه الحرب الكونية بأقل الأضرار.
لكن السؤال المهم يبقى: من هو المستفيد الأكبر من هذه الحرب؟ ما هي الدولة التي ستخرج منتصرة؟ وما هي الأقاليم التي سيتغير وجهها إلى الأبد؟
الصين، موطن ظهور «كوفيد-19» تمكنت خلال وقت وجيز من السيطرة على الأمور، ونجحت في تجنيب منظومتها الصحية الانهيار، وتمكنت من إعادة دورة الإنتاج في مصانعها في وقت قياسي. فعلت ذلك، بنجاح منقطع النظير، فيما كان العالم يراقبها ويستبعد أن يصيبه البرد جراء عطاسها المستمر!
أوروبا التي كانت قبل «كوفيد-19» تعاني من هِرمِ سكانها وشيخوخة هياكلها الاقتصادية وأمراض منظوماتها السياسية المتعددة التي كان من أول آثارها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وجدت في هذه الجائحة منقذا خارجياً، يسرّع من وصولها للقاع الذي كانت تسير باتجاهه. استعجلت النهاية لتبدأ رحلة التعافي والشفاء من جديد، وقد تخلصت من القيود والأغلال التي وجدت نفسها مكبلة بها منذ أكثر من عقد من الزمن.
أميركا، أو العالم المنشغل بنفسه أكثر مما ينبغي، بدأت في أول الأمر غير مكترثة بالجائحة، وقالت على لسان رئيسها دونالد ترامب إن وفيات الانفلونزا الموسمية التي تضرب أميركا في كل عام (من أكتوبر إلى أبريل) أكثر بكثير من الأرقام المتوقعة لوفيات «كوفيد-19»، وبالتالي فليس هنالك داع لعمل أية إجراءات في مواجهة الفيروس. صرحت «أميركا ترامب» بهذا التصريح، فطار الخصوم «الديموقراطيون» به، ووزعوه في كل أميركا، متهمين ترامب وإدارته بأنها لا تلق بالاً لصحة المواطن الأميركي وانها متهاونة في حماية صحته من الخطر الوشيك الذي بدأ بالانتشار شيئاً فشيئاً ابتداءً من نيويورك.
عاد دونالد ترامب إلى مستشاريه، فنصحوه بأن يبدّل موقفه قليلاً، لأن حديثه عن فيروس كورونا قد يسهم في خسارته للانتخابات في نوفمبر القادم، فالجماهير عاطفية بطبعها، وتفقد البصيرة عندما يتعلق الأمر بخطر وشيك يتهدد صحتها.
امتثل ترامب للنصيحة وبدأ في مسايرة «الديموقراطيين» لتفويت فرصة تكسبهم بما سيفعله «الفيروس الصيني»، كما وصفه،  في أميركا.
ستكسب الصين فيما يبدو الحرب. وربما تتغير حال أوروبا إلى الأفضل. ولن تتبدل الأمور كثيراً في أميركا وروسيا. وستعاني بعض دول العالم من انهيار مؤقت لمنظوماتها الصحية، لكن المؤكد أن المنتصر الأكبر في هذه «الحرب» هي الدول التي أثبتت لشعوبها أنها على قدر كبير من المسؤولية في حمايته من أية مخاطر حالية ومستقبلية. وأنا هنا اتحدث بكل فخر عن دول الخليج العربي.
يُنقل عن عالم النسبية الشهير إلبرت إنشتاين أنه قال إنه لا يعرف ما هو السلاح الذي سيستخدم في الحرب العالمية الثالثة، لكنه متأكد من أن الأسلحة التي ستستخدم في الحرب العالمية الرابعة هي العصي والحجارة! وانقلوا عني في أول مقالة أكتبها لصحيفة الاتحاد، أنني لا أتفق مع أنشتاين في الجزء الثاني من مقولته، في الوقت الذي أؤكد فيه أن «فيروس كورونا» هو سلاح الحرب العالمية الثالثة الدائرة الآن بين دول العالم و«كوفيد-19».

* كاتب سعودي