أُثير مفهوم تجديد الخطاب الديني في الآونة الأخيرة، ومن هذا الباب دخل وشارك كثير من غير المختصين، ولا حتى الملمين بأساسيات التراث الإسلامي ومعارفه الأولية، ومنهم أصحاب الأيديولوجيا والأهواء المتعددة، وبعض أنصاف المتعلمين، ومنهم الظلاميون والمتطرفون ومن تحركهم قوى خارجية تريد هدم التراث الإسلامي وتشويه صورته.. كما دلفه حداثيون تغريبيون، كان همهم على الدوام السخرية من التراث وتسفيه وجوهه ورموزه.
وحتى نكون أكثر دقة ومعرفة بحقائق الأمور، فإن استيعاب التراث الإسلامي والتمكن منه ومعرفة أصوله ومفاصله، لا يتأتى إلا بدراسة أصول علم الفقه والاطلاع العميق على كتب التفسير والحديث لمعرفة حجية الثبوت والدلالة للأصل.. فهذه الأبواب ومعرفتها مهمة لمن يريد الإسهام في الحديث حول التراث الإسلامي وتجديده.
وعموماً، فإن الإسلام يدعو الإنسان إلى التجديد والإصلاح والتغيير في كل مقومات حياته. ولا يوجد كتاب منزل من السماء، كما يقول الدكتور عباس شومان، حذّر من الاتباع الأعمى للتقاليد والموروثات ومن خطورة الارتهان لها دون وعي وفهم وتمحيص، كما حذّر القرآن الكريم من ذلك.
ووفقاً للدكتور الشيخ أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، فإن أحكام الدين في مجالي العبادات والأخلاق قطعية الورود والدلالة، لذا فهي قابلة للتطبيق في كل زمان ومكان. فالمسلم يصلي في عصر الفضاء مثلما كان سلفه يصلي في عصر الناقة والخيمة والمحراث، دون أي فرق، وكذلك يصوم ويزكي ويحج.. لقد بقيت أحكام العبادات على صورتها هكذا منذ قرابة خمسة عشر قرناً، وستظل هكذا إلى يوم الدين.
لكن هناك في الإسلام وتراثه أحكام قابلة للتجديد والإصلاح والتغيير، وهي الجانب الأكبر من أحكام المعاملات؛ أي المختصة بمجالات الحياة الإنسانية، ومنها القانون المدني والدستوري والجنائي، ومنها الأحكام المتعلقة بالاقتصاد والسياسة والاجتماع والعلاقات الدولية والآداب العامة وعادات الناس في المسكن والمأكل والملبس.. إلخ. فكل تلك الجوانب في الفقه وأحكامه تتسع لتطبيقات عدة وصيغ مختلفة. ويشار هنا إلى إسهامات المجددين من العلماء المعاصرين في موضوع «البيوع»، وهو موضوع تعالجه القوانين المعاصرة في مجلدات، أما إذا ذهبت تستقرئ أحكامه في القرآن الكريم، فلن يطالعك منها إلا ثلاثة أحكام فقط. ومثل ذلك يقال حول أحكام الفقه الدستوري التي لم يقرر فيها القرآن سوى ثلاثة مبادئ أساسية: الشورى والعدل والمساواة. والشيء نفسه يقال على أحكام العقوبات والقوانين الاقتصادية وغيرها.
إن الكثير من العلماء والمفكرين ينادون بوجوب «تجديد الخطاب الديني» بعد ما أصابه من جمود وتقليد، رغم أن الإسلام في جميع تعاليمه يدعو الإنسان إلى التجديد والتجدد، ولذلك السبب قاد المسلمون، ذات يوم، حركة البحث العلمي في ميادين عدة ومجالات مختلفة: الرياضيات، والهندسة، والفيزياء، والكيمياء، والطب، وعلوم الاقتصاد، والاجتماع، والعلاقات الدولية.. وكانوا أكثر أمة اهتمت بالمنهج التجريبي في العلوم الطبيعية وبالمنهج الاستدلالي في الرياضيات والمنطق.
لذلك يرى جمهور علماء المسلمين أن التجديد الفكري والفقهي في تراث المسلمين وحياتهم ضرورة وفريضة.

*كاتب إماراتي