هناك فئتان من المجتمعات تواجهان تحديات على نحو خاص، بسبب السياسات وأساليب الحياة الجديدة التي لجأت إليها الأمم والمجتمعات على نحو مفاجئ، وهما كبار السن، والذين يعيشون وحيدين، وأما كبار السن الذين يعيشون وحدهم، سواء عائلة أو أفراداً، فإنهم حالة أكثر خصوصية وحرجاً بالنسبة لذويهم وللمجتمعات والدول أيضاً.
يشكل كبار السن نسباً تتزايد في المجتمعات، ويغلب عليهم مع الاتجاهات الاجتماعية نحو الأسر النووية المستقلة بذاتها، أنهم يعيشون مستقلين بأنفسهم، أفراداً أو كأسرة من اثنين فقط، بعدما استقل الأبناء بحياتهم وأنشأوا أسرهم الخاصة التي تقيم مستقلة عن الآباء، وفي أحيان كثيرة، تكون إقامة الأبناء بعيداً عن الآباء، ويغلب على ظروفهم بطبيعة الحال أنهم يواجهون تحديات صحية واجتماعية ونفسية ومالية، ومن المؤكد أن التحولات الكبرى والمفاجئة في أسلوب الحياة بسبب سياسات مواجهة الوباء، والقائمة أساساً على التباعد الجسدي، والامتناع عن التجول والتجمع، وإغلاق الفضاءات العامة ومراكز التسوق والترفيه نهائياً أو لفترات طويلة، جعلت التحديات أكثر إلحاحاً وصعوبة.
وهناك فئة أخرى، هي وإن لم تكن من كبار السن، فإنها تواجه تحديات لا تقل خطورة، وهم الأشخاص الذين يعيشون وحيدين، لأسباب عملية أو ثقافية واجتماعية، وهم أيضاً فئة تتزايد في المجتمعات، وفي الدول التي تجتذب العمال من خارجها، تتكون فيها فئة واسعة من الأشخاص الذين يعيشون وحيدين، إضافة إلى أولئك المواطنين الوحيدين.
وفي بريطانيا، على سبيل المثال، يقدر عدد الذين يعيشون وحيدين بعشرة ملايين إنسان، أي حوالي 14 في المائة من السكان، ومن بين هؤلاء مليونان تزيد أعمارهم على 75 عاماً، أي حوالي 2.8 في المائة من السكان، وبالطبع فإنها نسب تتفاوت من بلد إلى آخر، ولكن وعلى نحو عام، فإن نسبة كبار السن والوحيدين تتزايد مع التقدم الاقتصادي، بسبب الرعاية الصحية وتحسن الحياة، كما يشجع التقدم الاقتصادي فئات واسعة من الشباب على الاستقلال بحياتهم، إضافة إلى الأسباب العملية التي تفرض على كثير من الناس أن يعيشوا وحيدين، وترد الوحدة في أحيان إلى ارتفاع نسب الطلاق وارتفاع سن الزواج، أو عدم الزواج.
إن الاتجاه العام للمجتمعات يمضي نحو تقبل الوحدة كأسلوب حياة، وقد تكرس على نحو واقعي وراسخ أسلوب الأسر «النووية» في معظم المجتمعات المعاصرة، بدأ ذلك ضريبة لأجل متطلبات الحياة والعمل، لكنه تحول إلى ثقافة سائدة، بل وفضيلة (ربما).
يحتاج كبار السن إلى رعاية مالية وصحية واجتماعية ونفسية، فالناس مع تقدم السن تزيد أمراضها، وبعض هذه الأمراض تحتاج إلى عناية دورية منتظمة، وبسبب التوقف عن العمل فإن دخولهم تتناقص بنسبة كبيرة، برغم ازدياد الحاجة إلى المال للإنفاق على العلاج والدواء، ويعيشون أيضاً في فراغ وملل يؤدي إلى مزيد من العزلة والآلام الجسدية والنفسية، ومن الحلول التلقائية والمؤسسية المتبعة، بناء حياة اجتماعية تمكنهم من التكيف والانسجام في محيطهم الاجتماعي، مثل الأندية والزيارات العائلية والأنشطة الترفيهية والاجتماعية والتطوعية، ولكن هناك فئة كبيرة تحتاج إلى رعاية دائمة على مدار الساعة، مثل أولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة تؤثر على قدرتهم على أداء الأعمال الأساسية في الحياة اليومية أو تجعلهم عاجزين عن الحركة، وأما الشباب الوحيدون فإن أخطر تحدٍّ يواجه حياتهم التعرض للاكتئاب الذي قد يؤثر على قدرتهم على العمل أو حتى ممارسة حياتهم العادية، أو يقلل دافعيتهم للمشاركة والإبداع.
اليوم، نحن جميعاً، أفراداً ومجتمعات وحكومات، في مواجهة تحديات كانت مؤجلة أو مدبرة على نحو ما، وهي كيف نساعد فئة واسعة من المجتمعات على التكيف الاجتماعي والنفسي؟ وكيف تظل هذه الفئة قادرة على المشاركة الاقتصادية والاجتماعية؟ وبالطبع فإنها تحديات لم تنشأ فجأة مع انتشار كوفيد 19 لكنها فرضت نفسها بقوة.
*كاتب وباحث أردني