في العام 2013 رفضت السعودية الانضمام لمجلس الأمن كممثل غير دائم العضوية للمنطقة الآسيوية، مبررة موقفها الخارج عن المألوف آنذاك، بخشيتها من أن تُحسب على مجلسٍ فاقدٍ للبوصلة، ومزدوج المعايير، وبخاصة في ما يتعلق بقضايا منطقتنا، مثل القضية الفلسطينية والنزاع السوري، وغير قادر على إيجاد حلول جذرية لمشكلة أسلحة الدمار الشامل الموجودة في مخازن دول عديدة حول العالم!
وقالت السعودية في بيان أصدرته بُعيد رفضها شغل المقعد غير الدائم، إنها «غير راضية على آليات العمل الحالية في مجلس الأمن، التي تحول دون قيامه بواجباته وتحمّل مسؤولياته تجاه حفظ الأمن والسلم العالميين على النحو المطلوب، ما خلق واقعاً أدى إلى اتساع رقعة مظالم الشعوب واغتصاب الحقوق وانتشار الحروب والنزاعات في أنحاء العالم».
وفي تقديري، إن السعودية لم تخطيء الهدف في موقفها هذا، فمجلس الأمن، أو ما يحلو لي أن أسميه مجلس «المنتصرين الخمسة» تأسس لهدف واحد، وهو خلق مجلس وصاية للدول الخمس المنتصرة في الحرب العالمية الثانية على دول العالم! اجتمع ممثلو أميركا وبريطانيا والاتحاد السوفييتي والصين وفرنسا بعد انتهاء الحرب، وقرروا الشروع في كتابة مدونة سلام عالمي تفوح برائحة الحلفاء، وفرضها على «دول المحور» وباقي شعوب الأرض، تحت ذريعة أن المنتصر هو من يفرض شروط السلام.
لكن المجلس المنبثق من رحم الحرب، تعطلت بوصلته بعد سنوات قليلة من تأسيسه بسبب اختلاف الحلفاء وتباين مواقفهم من القضايا العالمية العالقة، ودخول السوفييت والأميركان في خصومة دائمة، وبقاء الصين في زاوية رمادية، ما أدى إلى ظهور «الفيتو» كقاتل صامت للدور العالمي المنوط بالمجلس
قبل سبع سنوات رفضت السعودية الدخول في مجلس متعطل، غير قادر على التحرك للخلف أو الأمام، بسبب وقوعه في منطقة رجراجة، تحكمها توازنات قوى لا يبدو أنها ستتغير في المدى القريب. واليوم جاء وقت تحرك دول العالم القوية من غير الدول الخمس المنتصرة لإصلاح مجلس الأمن الذي لم تُراجع آليات عمله منذ وضعها في العام 1945، أو الذهاب لتبني منصة جديدة تكون لديها القدرة في إصلاح ما ينكسر من زجاج قلب العالم!
السعودية قبل أسبوع، أخذت «مجموعة الدول العشرين» إلى منطقة جديدة تدخلها لأول مرة، بعيداً عن الحسابات الاقتصادية والقضايا المالية. وضعت الدول الثمانية عشر بالإضافة للاتحاد الأوروبي أمام خيارات إنسانية لا مجال للالتفاف حولها أو التعامي عنها أو نقضها باستخدام «الفيتو». جمعت الدول الأكبر في العالم، بالإضافة لبعض الدول المؤثرة في المنطقة لإيجاد «مخرج كوني» من أزمة كورونا، التي تضرب العالم هذه الأيام، واستطاعت لأول مرة أن تخلق مسارات سياسية وإنسانية في تاريخ هذه المجموعة الاقتصادية منذ تدشينها عام 1999، وأظن أن السعوديين قادرون بمساعدة الدول القوية خارج مجلس الأمن، مثل ألمانيا والبرازيل والهند واليابان، على سحب صلاحيات حكم العالم من مجلس «الدول الخمس المنتصرة»، التي ما زالت تعيش بذهنية الحرب العالمية الثانية، وتكوين مجلس جديد دائم يضم في عضويته كل دول مجموعة العشرين، ويخضع في إصدار قراراته الأممية لنظام الأغلبية، بعيداً عن سطوة وغرور السيد «فيتو» الذي يضع الحق دائماً في سلة واحدة.
*كاتب سعودي