التجديد والإصلاح في الخطاب الديني أمر مطلوب ومهم جداً، وهو سنة من سنن الحياة وبدونه يصبح الخطاب (أي خطاب) متجمداً، وهذا أمر مضاد لطبيعة الحياة كما خلقها الله. صحيح أن هناك من ينظر إلى الأمور بطريقة متحجرة، ولا يريد للخطاب الديني أن يتطور أو يخرج إلى الحياة، حتى يقوم بأداء دوره في تقديم الصورة الصحيحة عن الإسلام السمح.
لقد أراد الله أن يلفت نظر الناس إلى أهمية العقل والعلم والدين وأهمية أن يكون لنا «اجتهادنا» حتى نصل إلى مفاتيح الحضارة وبنائها، فأكد القرآن الكريم في كثير من الآيات على ضرورة استخدام العقل وتحكيمه في كل الأمور، وعاب على من لا يستخدمون عقولهم ويكتفون بالتقليد الأعمى في كل شيء. ومن هنا يقول الفيلسوف الإنجليزي «فرانسيس بيكون»: «إن القليل من الفلسفة قد يؤدي إلى الإلحاد، أما التعمق فيها فيؤدي إلى الإيمان». ويقول ابن رشد: «ننظر في الذي قالوه من ذلك وما أثبتوه في كتبهم، فما كان منه موافقاً للحق قبلناه منهم وسررنا به وشكرناهم عليه، وما كان غير موافق للحق نبهنا عليه وحذرنا منه وعذرناهم فيه».
ورحم الله الفيلسوف الدكتور عبدالرحمن بدوي الذي ندم في أواخر حياته على مخاصمته للدين طوال أكثر من نصف قرن، بعد أن درس الإسلام بصورة واسعة وعميقة من مصادره الأصلية، وأخذ معارفه من مصادره الصافية، فتخلى عن كثير مما سبق في كتبه من آراء تتصادم مع العقيدة الإسلامية، بل جنّد نفسه لخدمة الدين والدفاع عن القرآن الكريم.
كذلك عاشت الدكتورة نوال السعداوي سنين طويلة من عمرها في نقد التشريعات الفقهية الإسلامية حول المرأة والمسلمة، ويبدو أنها عدلت مؤخراً هي كذلك عن بعض آرائها، وقالت أخيراً عن «العلمانية» كأيودلوجية إنها «وهم تستخدمه الرأسمالية عشان توهم الناس بالديمقراطية». وتابعت: «أنا دفعت ثمن العلمانية، وكنت طوال عمري أهدف من اعتناقها إلى فصل الدين عن السياسة، لكن العلمانية وقوانين الدول مستمدة من الدين».
وقريب من هذا ما فعله بعض مَن درسوا الإسلام وتراثه بعمق، فزالت عن عيونهم الصورة المشوهة حوله وأصبحوا في خدمته والدفاع عنه. ولم يقتصر الأمر على المفكرين العرب، فقد كانت هناك أصوات غير عربية أخرى تبنت التجديد ودافعت عنه في مناطق أخرى من العالم الإسلامي والعالم ككل، مثل الدكتور جاك كوستو، أبرز علماء البحار في القرن العشرين، والذي قال بعد أن أسلم: «لقد رأيت الله في هذه البحار التي درستها لسنوات طويلة، ثم وجدت القرآن الكريم قد تحدث عنها وذكرها قبل 14 قرناً». وكذلك روبرت كرين، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون، وهو أحد كبار فقهاء القانونيين والخبراء في السياسة الأميركية، والذي قال بعد إسلامه: وجدت في الإسلام كل القوانين التي درستها. ومثله روجيه جارودي، الفيلسوف الفرنسي الشهير الذي استطاع الوصول إلى شاطئ الحقيقة، حيث قال: «إن انتمائي للإسلام لم يأت بمحض الصدفة، بل جاء بعد رحلة طويلة تخللتها منعطفات كثيرة حتى وصلت إلى مرحلة اليقين الكامل والخلود إلى العقيدة التي تمثل الاستقرار». ثم تابع قائلا: «بدا لي الإسلام كإجابة على كل الأسئلة الكبرى في حياتي». وآخرين غير هؤلاء، مثل: الألماني الدكتور مراد هوفمان والفرنسي الدكتور موكاي.. وغيرهم كثيرون.

*كاتب إماراتي