بينما يواصل «كورونا المستجد» رحلته التي يعيث فيها الفساد في دول مختلفة حول العالم، شعرت جنوب آسيا بتأثير الفيروس المميت. وعلى امتداد منطقة جنوب آسيا التي يبلغ عدد سكانها نحو ملياري نسمة، هناك مساع تستهدف ألا يتكرر ما حدث من طفرة في حالات الإصابة كما حدث في أوروبا. وبالنسبة لشبه القارة الهندية، فإنه إذا ارتفعت حالات الإصابة، فسيضغط هذا على البنية التحتية الصحية التي ليست بقوة نظيرتها في الدول الغربية مما سيكون له أضرار على الفقراء في كل بلد من بلدان المنطقة.
صحيح أن كل دول جنوب آسيا تقريبا، سواء كانت الهند أو باكستان أو بنجلاديش، لديها مستويات تعليم عالية في علوم الطب ولا تعاني من مشاكل أو نقص في الأطباء والممرضين الأكفاء، لكن لا شك في أن البنية التحتية الصحية في جميع هذه البلدان لا تزال متخلفة كثيرا عن نظيراتها الأوروبية. وأي تفش كبير للأوبئة سيرهق البنية التحتية القائمة في هذه المنطقة. ولم تسجل جنوب آسيا حتى الآن أعداد إصابات كبيرة بفيروس كورونا. فقد سجلت باكستان حتى الآن أكثر من 2000 إصابة بالفيروس وحالتي وفاة في عدد سكان يبلغ 220 مليون نسمة. ولم تفرض باكستان حظر تجول، لكنها أغلقت حدودها الطويلة مع كل من إيران وأفغانستان.
وأعلن رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان إغلاقا جزئيا في قطاعات من البلاد، بما في ذلك إغلاق الخدمات غير الضرورية والمطاعم ومراكز التسوق والمتاجر وقاعات الزفاف وغيرها. لكنه مازال يرفض حتى الآن فرض حظر تجول بالكامل محتجا بأنه سيضر بفقراء البلاد. وبالمثل، تشعر بنجلاديش بتأثير الفيروس مع إغلاق معظم الأنشطة الاقتصادية. ويتوقع أن تكابد البلاد أكبر الضرر في أسواق ملابس التصدير. فقد طُلب من ملايين عمال المصانع في بنجلاديش أن يمكثوا في منازلهم دون الحصول على أجر أو تعويضات. وسجلت بنجلاديش حتى الآن 48 حالة إصابة بالفيروس الذي أودى أيضا بحياة خمسة أفراد في البلاد.

لكن أكبر أزمة إنسانية تتكشف طياتها في الهند حيث يخضع الناس حاليا لحظر لمدة 21 يوما. وهناك عشرات الآلاف من العمال المهاجرين لا يستطيعون دفع ثمن الغذاء أو إيجار السكن خلال فترة الإغلاق، وكثير منهم لديهم أطفال. وهؤلاء اضطروا إلى قطع مسافات طويلة من المدن الرئيسية إلى منازلهم في القرى النائية. وتجمع آلاف العاملين وعمال المياومة في محطات الحافلات رغم بقاء فئات من الناس في منازلهم. وبسبب القلق مما أدت إليه الجائحة من إرهاق أفضل النظم الصحية في العالم، من الصين إلى إيطاليا، اتخذت الهند إجراءات صارمة. وهذه الإجراءات تضمنت تأجيل حتى الرحلات الداخلية وخدمات القطارات ثم اتبعت ذلك بإغلاق على مستوى البلاد لمدة 21 يوما. ولدى الهند الآن أكثر من 1600 حالة إصابة مؤكدة بفيروس كورونا، وتم رصد 40 حالة وفاة حتى الآن. ويظل السؤال متعلقا بمدى قدرة حكومات الولايات الهندية على تخفيف معاناة العمال المهاجرين الفقراء الذين يعملون في طائفة متنوعة من القطاعات من الإنشاءات إلى التصنيع، بالإضافة إلى العاملين في خدمات التوصيل الذين تضرروا بشدة من فقدان وظائفهم.
لكن رغم هذا، ظهرت عروض بتقديم المساعدة من أشخاص مختلفين. فقد أعلن «جاك ماس- أحد أكثر رجال آسيا ثراء ومؤسس شركة علي بابا- أنه سيتبرع بإمدادات أساسية لعشر دول في جنوب وجنوب شرق آسيا. ويشمل ذلك تقديم 1.8 مليون كمامة، و210 آلاف مجموعة أدوات اختبار، و36 ألف رداء واق، بالإضافة إلى أجهزة تنفس صناعي وترموميترات لقياس الحرارة لكل من أفغانستان وبنجلاديش وجزر المالديف وميانمار ونيبال وباكستان وسريلانكا. وشهدت الأزمة، تعهد قادة الاقتصادات الرئيسية في مجموعة العشرين بضخ خمسة تريليونات دولار لمساعدة الدول في التغلب على الاضطراب الاقتصادي.

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية في نيودلهي.