في خضم التطورات العالمية السريعة، تتبلور تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة الرائدة في الوصول إلى آفاق العالمية. ففي ظل العولمة والنظام العالمي الجديد، انهارت الحدود الجغرافية التقليدية من جبال وأنهار، وذابت السيادة الدولية، خاصة بالنسبة لدول العالم الثالث التي اعتمدت ولفترة طويلة على الدعم السياسي والاقتصادي والتنموي والعسكري من بعض الدول المتقدمة.
وظهرت القرية الإليكترونية التي دمرت الموانع الطبيعية والإنسانية، ووضعت لنفسها ثقافة جديدة تؤكد من جديد على قانون البقاء للأقوى والأصلح، والصلاح هنا له مفهوم اقتصادي وسياسي وعسكري، قد يخلو من البعد الديني أو حتى الأخلاقي.
كما تؤكد ثقافة القرية الإليكترونية على الابتكار "INNOVATION" ، فهو الوسيلة الوحيدة للهروب من دواعي الانهيار، وعلى أن التغيير هو الثابت الوحيد في قاموس البقاء، وأن سرعة هذا التغيير هي المانع الأكيد ضد معوقات التنمية في شتى المجالات.
ومن الطبيعي أن تلعب القيادة دوراً محورياً وأساسياً في مواكبة المتغيرات العالمية، وقد يكون ذلك هو سر تميز النمط التقليدي للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، فلقد تفرد المغفور له الشيخ زايد عن كل القيادات وأصبح أحد الشخصيات العالمية المرموقة قيادياً، وقد استطاع أن ينهض بدولته الفتية لمواكبة المتغيرات العالمية، دون أن تفقد أمته هويتها العربية والإسلامية. وإذا جاز لنا أن نوجز أهم الملامح القيادية في شخصية الشيخ زايد أكرم الله مثواه، لقلنا إن الفطرة السليمة بلورت "فطرة القيادة وقيادة الفطرة" الممتدة من سيرة النبي (صلى الله عليه وسلم)، وكذلك تميزت ملامح قيادته "رحمه الله"، في تطبيق مثلث الاستقامة، والشراكة، والتقدير (ECOSNITION، PARTNERSHIP، INTEGRITY) فكان "رحمه الله" قدوة ومثلاً أعلى لاستقامة أقواله وتطابقها مع أفعاله، وكان مؤمناً بالشراكة عن طريق الشورى حينما أسس الاتحاد مع إخوانه حكام الإمارات السبع، ووافته المنية طيّب الله ثراه، وهو لم يغفل لحظة عن تقدير النجاح، فكان مشعلاً للتميز والإبداع في بلاده التي انحرفت عن خط سير التخلف للدول الأخرى، ليسلك في قيادته رحمه الله، مسالك الدول المتقدمة.
وبما أن صياغة الثقافة أحد مهام القيادة الناجحة، فقد قام الشيخ زايد رحمه الله، بهذه المهمة وأرسى ثقافة دولته على سلم القيم تطبيقاً لمبدأ مصفوفة القيم المؤثرة في تقدم المجتمعات.
مما سبق تتضح جلياً أهمية القيادة و"حتمية" فعاليتها لتحقيق الريادة.
والقيادة الفعالة هي التي: 1- تتبلور لديها رؤية تسبق الحاضر وتضرب في أعماق المستقبل. 2- تؤثر في سلوك تابعيها وتحفزهم وتحشد جهودهم. 3- تكون قدوة ومثلاً أعلى في تبني قيم التغيير وامتلاك أدوات التطوير ليس فقط على مستوى السلوك الشخصي، ولكن أيضاً على مستوى التفاعل المؤسسي ومحاسبة السلوكيات التي تعوق حركة التغيير للتطوير المؤسسي.
لقد رحل عنا الشيخ زايد رحمه الله، تاركاً نموذجاً قيادياً يحتذى به، فقد كان تاريخه في رئاسة دولة الإمارات نموذجاً متفرداً في حيازة أوسمة التقدير العالمية.
ولقد ورث صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله"، الاهتمام بتطبيق هذا النموذج على أكمل وجه، لذلك لم يكن غريباً أن بدأ صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله"، في إطار رعايته لمنهج التغيير المؤسسي الهادف، حتى تصبح مؤسسات دولة الإمارات العربية المتحدة بصفة عامة ومؤسسات أبوظبي على وجه الخصوص في وضع يُمكنها من منافسة المؤسسات العالمية في تقديم خدمات متميزة بالسرعة المناسبة والسعر المقبول لكل طبقات المجتمع، خاصة الطبقة دون المتوسطة التي تتطلع إلى الحصول على متطلباتها دون عناء وتسعى إلى الدخول في الطبقات المتوسطة أو ما فوقها.
لذا أصبح التغيير مطلباً أساسياً وحتمية تاريخية، والتغيير له متطلبات جوهرية أهمها ما نسميه بنقطة الانطلاق وترجمة الجهود المثابرة التي نستشعرها مع بداية عهد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان وبمعاونة إخوانه حكام الإمارات وأولياء العهود، وفقهم الله لما فيه خير وارتقاء دولة الإمارات العربية المتحدة.