ربما يكون وقف إطلاق النار، الذي أعلن عنه «التحالف العربي» في اليمن منذ أسبوع، مختلفاً هذه المرة، فعلى امتداد السنوات الخمس السابقة، كان الباعث لدعوات وقف إطلاق النار يأتي دائماً من قلب المعركة، أما هذه المرة، فالسبب الرئيس لإعلان التحالف ليس متعلقاً بنتائج الحرب طويلة الأمد بين ميليشيا «الحوثي» المدعومة من إيران، وجيش الحكومة الشرعية المدعوم من التحالف العربي، وليس بسبب تفعيل اتفاق مسبق لإجراء محادثات سياسية على أرض محايدة، وإنما تأتي هذه الهدنة الجديدة بسبب إطلالة لاعب جديد في الواقع اليمني، لا يميز بين متمرد حوثي ومواطن يمني بسيط يريد العودة لحياته الطبيعية، قبل سقوط صنعاء في شهر سبتمبر من العام 2014، يأتي وقف إطلاق النار هذه المرة بسبب حرص التحالف العربي على محاصرة فيروس كورونا في «اليمن الكبير»، والحد من انتشاره في دولة تفتقد لأدني المقومات الصحية، القادرة على التعامل مع هذا الوباء العالمي.
لكن السؤال يبقى دائماً؟ هل ستلتزم ميليشيا «الحوثي» بهذه الهدنة، التي جاءت من طرف واحد؟ هل ستسعى إلى التعامل بجدية مع تهديدات وباء كوفيد 19، في المناطق التي تسيطر عليها؟
الجواب في كلمة صغيرة مكونة من حرفين، هو «لا»، فميليشيا «الحوثي» لم يُعهد عنها الالتزام بالهدن السابقة الكثيرة، التي وقعت عليها وكانت طرفاً مسؤولاً فيها تحت إشراف أممي، فكيف هو الحال بهدنة لم توقع عليها ولم تدع لها، بالإضافة لذلك فهي، ومن خلال رصد لسلوكها خلال السنوات القليلة الماضية، لا تبدو لكثيرين «كيانا شرعياً»، يعمل على أمن وسلامة مواطنيها، ويسعى لأن يوفر لهم مصدات حماية ضد الأخطار الداخلية والخارجية، بما فيها جائحة كورونا، وإنما هي مجموعة من «الأطر المتمردة»، التي تأتمر بأوامر قوى خارجية، ليس من مصلحتها في الوقت الحالي، إطفاء «الحالة المشتعلة» في اليمن.
لن تلتزم ميليشيا «الحوثي» بالهدنة فيما يبدو، ولن تضع جائحة كورونا في كفة «خسارات اليمن»، بل إنها على الأرجح ستستغل هذه الجائحة لترويع المواطنين في المناطق غير الخاضعة لسلطتها، وستسعى لتهديدهم بالمرض من أجل احتلال مناطقهم، كما فعلت أكثر من مرة، حينما ركعت المواطنين الجوعى باستخدام ورقة المعونات الدولية.
وعلى المقلب الآخر، لا يبدو أن القوى الكبرى مهتمة بالفعل بالضغط على ميليشيا «الحوثي» لقبول قرارات المجتمع الدولي وتنفيذها، وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل احتلال صنعاء في العام 2014، الدول الغربية الفاعلة يهمها دائماً أن تدير الصراعات بعيداً عن حدودها، ويهمها أكثر أن تمنع أية تسويات نهائية بين أطراف النزاع، دون تقديم تنازلات تستفيد منها العواصم الغربية، التي تبعد آلاف الكيلومترات عن بؤرة الصراع.
ستمضي هدنة الأسبوعين على الأرجح من دون نتيجة، وهذا سيثبت مجدداً أن ميليشيا «الحوثي» لم تظهر في الصورة لتبني دولة، وإنما لتُبقي الاضطراب - الذي هو سر بقائها - قائماً، وسيؤكد كذلك أن الدول الغربية ليس من مصلحتها إيقاف الحرب، وإنما أقلمتها ورسم حدودها على الخريطة، وإبقاؤها مشتعلة كلما أمكن ذلك.
ستمضي هدنة الأسبوعين، وتتأكد من جديد الحاجة لـ «يمننة الصراع»، وعزله عن كل المؤثرات الخارجية، مع إبقائه تحت رقابة التحالف العربي اللصيقة، لمنع دخول أية عوامل، قد تسهم في تغيير المجرى التاريخي للحالة اليمنية، اليمن اليوم بحاجة، أكثر من أي وقت مضى، لأن يتطهر من الداخل.