لطالما ركزت الإمارات في سياستها الخارجية على البعد الإنساني، فهي تمد يد العون للجميع دون تمييز على أي اعتبار، ديني مذهبي، عرقي، أو حتى لغوي. في ثمانينيات القرن الماضي، أحدثت الجالية الهندية بعض القلاقل، بظهورهم في مسيرات غير معهودة على رتم السلم المجتمعي بالدولة التي تأسست على منظومة من الحياة الآمنة لكل إنسان يهنأ برغد العيش على هذه الأرض المعطاءة، التي تتعامل بقيم إنسانية رفيعة مع العالم كله. فاتخذت الحكومة، آنذاك، قراراً بإعادة هذه الجالية إلى بلادها، ولكن قبل تنفيذ القرار، قامت أنديرا غاندي بزيارة للإمارات ولقاء المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان للإطلاع على خلفية القرار، والتشاور حول حل هذه الإشكالية بين البلدين اللذين يتمتعان، منذ زمن بعيد، بعلاقات مميزة.
وقامت غاندي بشرح الأوضاع الإنسانية لهؤلاء في بلدانهم، وكيف بأن انقطاعهم عن العمل سيؤثر على ملايين الأسر في الهند، فتحركت القيم الإنسانية الرفيعة لدى زايد الخير، فأمر بإيقاف تنفيذ القرار، لقناعته الراسخة بعدم الإضرار بالكل لجريرة البعض. والدافع الجوهري هو في نظرة زايد بأن هؤلاء المقيمين ساقهم الله إلى الإمارات لأن أرزاقهم كتبت وقدرت أن تكون في هذه الدولة. هذا هو العمود الفقري لإنسانية الإمارات الراسخة في باني هذا الصرح الاتحادي المتين، وبعد رحيل زايد، رحمه الله، واصل الأنجال الأخيار المسيرة.
جاء اليوم الذي يواجه العالم فيروس «كورونا»، الذي لم يميز بين مواطن ومقيم أو مهاجر لشتى الأسباب، فالكل سواسية في التعرض لهذا الوباء الذي أخذ صفة الجائحة. فالإمارات لم تقف في موقف المتفرج، وكأن الأمر لا يعني إلا الصين وحدها التي كانت أول من تعرض للوباء، بل إن الإمارات رضيت بتحمل استحقاقاتها الإنسانية أينما وُجدت الحاجة الملحة، للتعاون في أقصى الأرض أو أدناها.
فليس في بال الإمارات ولا في خاطرها أن تَمن أو أن تستكثر على المحتاجين العون، بل هي في مختبر الإنسانية تبحث معها عن المخارج الممكنة للتخلص من هذا الفيروس في أسرع وقت، وقد حانت ساعة الصدق في هذا الإتجاه، فهذا اليوم الذي ينفع الصادقين صدقهم، لكي يرفع الله البلاء عن جميع خلقه.
ومن هذا المنطلق، أشاد الإعلامي الكويتي محمد الملا، عبر حسابه في «تويتر»: بعد المناشدة جاءت البشارة بإجلاء ليس فقط اليمنيين من ووهان الصينية، بل كل العرب إلى وطن العرب الإمارات، شكراً لمجد العرب ولدولة الإمارات. وهذه شهادة ومشاعر زميل من دولة الكويت الشقيقة، نعتز بها لأنها تدل على حقيقة الإنسانية في ثناياها.
أما منظمة الصحة العالمية المعنية مباشرة بالاهتمام الجم بهذا الوباء المستجد، فقد عبرت عن عميق شكرها للإمارات، وذلك لتقديمها كافة أشكال الدعم اللوجيستي للمنظمة، بهدف إيصال المساعدات الطبية وفرق عمل المنظمة إلى إيران. وبهذا تؤصل الإمارات لسابقة تنحي من خلالها السياسة جانباً، وتقدم صحة الشعب الإيراني عليها، وهي ظروف إنسانية استثائية تضع كل خلاف سياسي على الرف.
وبدعم من الإمارات، قدمت منظمة الصحة العالمية إمدادات ومعدات طبية لإيران في إطار جهودها لاحتواء«كورونا»، حيث قامت طائرة تابعة للقوات الجوية بنقل 7.5 طن من الإمدادات من المدينة العالمية للخدمات الإنسانية في دبي إلى إيران.
هذا، ويحسن بنا في هذا الصدد الإشارة إلى حكمة بليغة من أزمة كورونا، ولفتة في غاية الأهمية من قائد مُلهم هو صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، عندما عبَّر عن ذلك بقوله: «بقي العالم لسنوات يتجادل.. من يقود الآخر هل تقود السياسة الاقتصاد؟ أم الاقتصاد يقود السياسة؟ من العربة ومن الحصان؟ واكتشفنا في زمن الكورونا أن الحصان وعربته تحملهما الصحة.. وتقودهما مرغمين حيث تريد.. وأن السياسة والاقتصاد تتقزمان أمام فيروس يجعل دهاة العالم في حيرة وخوف وتيه.. !».
*كاتب إماراتي